للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتسامعت به القبائل، وأتته البربر من كلّ مكان، وعظم أمره حتى أنّ كتامة اقتتلت عليه مع قبائل البربر، وهو لا يذكر اسم المهدي ولا يعرّج عليه. فبلغ خبره إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقيّة، فقال أبو عبد اللّه لكتامة: أنا صاحب البذر الذي قال لكم أبو سفيان والحلواني.

فازدادت محبّتهم له، وعظم أمره فيهم، وأتته القبائل من كلّ مكان. وسار إلى مدينة تازروت (a) (١)، وجمع الخيل، وصيّر أمرها للحسن بن هارون كبير كتامة، وخرج للحرب فظفر وغنم، وعمل على تازروت (a) خندقا. فرجعت إليه قبائل من البربر وحاربوه، فظفر بهم وصارت إليه أموالهم، ووالى الغزو فيهم حتى استقام له أمرهم، فسار وأخذ مدائن عدّة.

فبعث إليه ابن الأغلب بعساكر كانت له معهم حروب عظيمة وخطوب عديدة، وأنباء كثيرة آلت إلى غلب أبي عبد اللّه وانتشار أصحابه من كتامة في البلاد، فصار يقول: «المهدي يخرج في هذه الأيّام ويملك الأرض، فياطوبى لمن هاجر إلىّ وأطاعني». وأخذ يغري النّاس بابن الأغلب، ويذكر كرامات المهدي وما يفتح اللّه له، ويعدهم بأنّهم يملكون الأرض كلّها.

وسيّر إلى عبيد اللّه بن محمد رجالا من كتامة ليخبروه بما فتح اللّه له، وأنّه ينتظره. فوافوا عبيد اللّه بسلميّة من أرض حمص، وكان قد اشتهر بها، وطلبه الخليفة المكتفي، ففرّ منه بابنه أبي القاسم وسار إلى مصر، وكان لهما قصص مع النّوشري عامل مصر حتى خلصا منه، ولحقا ببلاد المغرب.

وبلغ ابن الأغلب زيادة اللّه خبر مسير عبيد اللّه، فأزكى له العيون، وأقام له الأعوان حتى قبض عليه بسجلماسة - وكان عليها اليسع بن مدرار - وحبس بها هو وابنه أبو القاسم.

وبلغ ذلك أبا عبد اللّه، وقد عظم أمره، فسار وضايق زيادة اللّه بن الأغلب، وأخذ مدائنه شيئا بعد شيء، وصار فيما ينيف على مائتي ألف، وألحّ على القيروان حتى فرّ زيادة اللّه إلى مصر، وملكها أبو عبد اللّه، ثم سار إلى رقّادة فدخلها أوّل رجب سنة ستّ وتسعين ومائتين، وفرّق الدّور على كتامة، وبعث العمّال إلى البلاد، وجمع الأموال، ولم يخطب باسم أحد.

فلمّا دخل شهر رمضان سار من رقّادة، فاهتزّ لرحيله المغرب بأسره، وخافته زناتة وغيرها


(a) بولاق: تاصروق.
(١) تازروت. اسم لهضبة تنسب إليها المدينة تقع بين مدينتي إيكجان وميلة.