للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعثوا إليه بطاعتهم، وسار إلى سجلماسة، ففرّ منه اليسع بن مدرار واليها، ودخل البلد فأخرج عبيد اللّه وابنه من السّجن، وقال: «هذا المهدي الذي كنت أدعوا له» (a). وأركبه هو وابنه، ومشى بسائر رؤساء القبائل بين أيديهما وهو يقول: «هذا مولاكم»، ويبكي من شدّة الفرح حتى وصل إلى فسطاط ضرب له فأنزل فيه، وبعث في طلب اليسع، فأدرك (b) وحمل إليه فضربه بالسّياط وقتله.

ثم سار المهدي إلى رقّادة، فصار بها في آخر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين. ولمّا تمكّن قتل أبا عبد اللّه وأخاه في يوم الاثنين للنصف من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين، فكان هذا ابتداء أمر الخلفاء الفاطميين (١).

/ وما زالت كتامة هي أهل الدّولة مدّة خلافة المهدي عبيد اللّه، وخلافة ابنه أبي (c) القاسم القائم بأمر اللّه، وخلافة المنصور بنصر اللّه إسماعيل بن القائم (d)، وخلافة معدّ المعزّ لدين اللّه بن المنصور؛ وبهم أخذ ديار مصر لمّا سيّرهم إليها مع القائد جوهر في سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة، وهم أيضا كانوا أكابر من قدم معه من المغرب في سنة اثنتين وستين وثلاث مائة.

فلمّا كان في أيّام ولده العزيز باللّه نزار، اصطنع الدّيلم والأتراك (٢) وقدّمهم وجعلهم خاصّته، فتنافسوا وصار بينهم وبين كتامة تحاسد، إلى أن مات العزيز باللّه وقام من بعده أبو عليّ المنصور الملقّب بالحاكم بأمر اللّه، فقدّم ابن عمّار الكتامي وولاّه الوساطة - وهي في معنى رتبة الوزارة - فاستبدّ بأمور الدّولة، وقدّم كتامة وأعطاهم، وحطّ من الغلمان الأتراك والدّيلم الذين اصطنعهم العزيز. فاجتمعوا إلى برجوان - وكان صقلبيّا وقد تاقت نفسه إلى الولاية - فأغرى المصطنعة بابن عمّار حتى وضعوا منه واعتزل عن الأمر، وتقلّد برجوان الوساطة، فاستخدم الغلمان المصطنعين في القصر، وزاد في عطاياهم وقوّاهم. ثم قتل الحاكم ابن عمّار وكثيرا من رجال دولة أبيه وجدّه، فضعفت كتامة، وقويت الغلمان.


(a) بولاق: أدعوكم إليه.
(b) بولاق: فأدركه.
(c) ساقطة من بولاق.
(d) بولاق: القاسم.
(١) انظر فيما تقدم ١٧٥: ٢ - ١٨٠، حيث أورد المقريزي نصّ هذا الخبر والإحالات المذكورة هناك.
(٢) فيما تقدم ٢٣.