للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحمل إلى ملك الرّوم ثلاثين ألف دينار، ورحل إلى بيروت، ثم إلى طرابلس. فتمكّن أفتكين من دمشق، وأقام بها الدّعوة لأبي بكر عبد الكريم الطّائع بن المطيع العبّاسي، وسيّر إلى العرب السّرايا فظفرت، وعادت إليه بعدّة ممن أسرته من رجال العرب فقتلهم صبرا.

وكان قد تخوّف من المعزّ، فكاتب القرامطة يستدعيهم من الأحساء للقدوم عليه لمحاربة عساكر المعزّ، وما زال بهم حتّى وافوا دمشق في سنة خمس وستين، ونزلوا على ظاهرها ومعهم كثير من أصحاب أفتكين الذين كانوا قد تشتّتوا في البلاد؛ فقوي بهم، ولقى القرامطة وحمل إليهم وسرّ بهم، فأقاموا على دمشق أياما، ثم رحلوا نحو الرّملة وبها أبو محمود فلحق بيافا، ونزل القرامطة الرّملة، ونصبوا القتال على يافا حتى كلّ الفريقان، وسئموا جميعا من طول الحرب.

وسار أفتكين على السّاحل، ونزل صيدا وبها ظالم بن موهوب العقيلي وابن الشّيخ من قبل المعزّ، فقاتلهم قتالا شديدا انهزم منه ظالم إلى صور، وقتل بين الفريقين نحو أربعة آلاف رجل، فقطع أيدي القتلى من عساكر المعزّ، وسيّرها إلى دمشق فطيف بها، ثم سار عن صيدا يريد عكّا وبها عسكر المعزّ. وكان قد مات المعزّ في شهر ربيع الآخر، وقام من بعده ابنه العزيز باللّه، وسيّر جوهرا القائد في عسكر عظيم إلى قتال أفتكين والقرامطة.

فبلغ ذلك القرامطة وهم على الرّملة، ووصل الخبر بمسيره إلى أفتكين وهو على عكّا، فخاف القرامطة وفرّوا عنها، فنزلها جوهر. وسار من القرامطة إلى الأحساء - التي هي بلادهم - جماعة، وتأخّر عدّة، وسار أفتكين من عكّا إلى طبريّة، وقد علم بمسير القرامطة وتأخّر بعضهم، فاجتمع بهم في طبريّة واستعد للقاء جوهر وجمع الأقوات من بلاد حوران والبثينيّة (١) وأدخلها إلى دمشق، وسار إليها فتحصّن بها. ونزل جوهر على ظاهر دمشق لثمان بقين من ذي القعدة، فبنى على معسكره سورا، وحفر خندقا عظيما وجعل له أبوابا. وجمع أفتكين النّاس للقتال، وكان قد بقى بعد ابن الماورد رجل يعرف بقسّام التّراب، وصار في عدّة وافرة من الذّعّار، فأعانة أفتكين وقوّاه وأمدّه بالسّلاح وغيره. ووقعت بينهم وبين جوهر حروب عظيمة طويلة إلى يوم الحادي عشر من ربيع الأوّل سنة ستّ وستين وثلاث مائة، فاختلّ أمر أفتكين وهمّ بالفرار، ثم إنّه استظهر.


(١) حوران. كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة. (ياقوت: معجم البلدان ٣١٨: ٢)؛ والبثنيّة أو البثنة: قرية بين دمشق وأذرعات (نفسه ٣٣٨: ١).