للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الرّحبة، وأخذ منها على البرّ إلى أن قرب من جوسية (a) (١) - إحدى قرى الشّام - وقد وقع في قلوب العربان منه مهابة.

فخرج إليه ظالم بن موهوب العقيلي من بعلبك، وبعث إلى أبي محمود إبراهيم بن جعفر، أمير دمشق من قبل الخليفة المعزّ لدين اللّه، يعلمه بقدوم أفتكين من بغداد لإقامة الخطبة العبّاسية وخوّفه منه. فأنفذ إليه عسكرا وسار إلى ناحية جوسية (a) يريد أفتكين، وسار بشارة الخادم من قبل أبي المعالي بن حمدان عونا لأفتكين، فردّ ظالم إلى بغلبك من غير حرب، وسار بشارة بأفتكين إلى حمص، فحمل إليه أبو المعالي، وتلقّاه وأكرمه.

وكان قد ثار بدمشق جماعة من أهل الزّعارة والفساد (٢)، وحاربوا عمّال السّلطان، واشتدّ أمرهم، وكان كبيرهم يعرف بابن الماورد. فلمّا بلغهم خبر أفتكين بعثوا إليه من دمشق إلى حمص يستدعونه، ووعدوه بالقيام معه على عساكر المعزّ وإخراجهم من دمشق ليلي عليهم.

فوقع ذلك منه بالموافقة، وصار حتى نزل بثنيّة العقاب (٣) لأيّام بقيت من شعبان سنة أربع وستين وثلاث مائة.

فبلغ عسكر المعزّ خبر الفرنج، وأنّهم قد قصدوا طرابلس، فساروا بأجمعهم إلى لقاء العدوّ.

ونزل أفتكين على دمشق من غير حرب فأقام أياما، ثم سار يريد محاربة ظالم ففرّ منه. ودخل أفتكين بعلبك، فطرقه العدوّ من الرّوم والفرنج، وانتهبوا بعلبك وأحرقوا، وذلك في شهر رمضان، وانتشروا في أعمال بعلبك والبقاع يقتلون ويأسرون ويحرقون، وقصدوا دمشق وقد التحق بها أفتكين، فخرج إليهم أهل دمشق، وسألوهم الكفّ عن البلد والتزموا بمال.

فخرج إليهم أفتكين وأهدى إليهم، وتكلّم معهم في أنّه لا يستطيع جباية المال لقوّة ابن الماورد وأصحابه، وأغرى (b) ملك الرّوم به فقبض عليه وقيّده، وعاد فجبى المال من دمشق بالعنف،


(a) بولاق: جوشيه.
(b) بولاق: أمر.
(١) جوسية. قرية من قرى حمص من جهة دمشق (ياقوت: معجم البلدان ١٥٤: ٢).
(٢) عن الذّعّار والأحداث بدمشق في هذه الفترة، راجع Lev، Y.، «The Fatimids and the Ahdath of Damascus ٣٨٦/ ٩٩٦ - ٤١١/ ١٠٢١»، Die Welt des Orients XIII (٩٨٢)، PP. ٩٧ - ١٠٦.L ٢
(٣) ثنيّة العقاب. الثّنيّة في الأصل كلّ عقبة في الجبل مسلوكة، وثنيّة العقاب ثنيّة مشرفة على غوطة دمشق يطؤها القاصد من دمشق إلى حمص. (ياقوت: معجم البلدان ٨٥: ٢).