للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصر بشتاك في منطقة بين القصرين. وقد ظلّت هذه القصور قائمة بفضل الجهد الذي قامت به لجنة حفظ الآثار العربية في نهاية القرن التاسع عشر والعقود الأولى للقرن العشرين، ثم أعمال التّرميم التي تمّت لواحد منها، هو قصر بشتاك، في ثمانينات القرن العشرين.

ويجمع بين هذه القصور أسلوب معماريّ موحّد يسمح بتمييزها عن الدّور الغنيّة للفترة نفسها، وكذلك عن القصور الشّركسيّة في القرنين التاسع والعاشر للهجرة/ الخامس عشر والسّادس عشر للميلاد. وقد استمدّت قاعات استقبال هذه القصور تخطيطها من تخطيط قاعة قصر الرّوضة الأيّوبي، ولكن أكثر ما يميّزها هو حجمها الضّخم سواء في المساحة أو الارتفاع، والمداخل التّذكارية لأغلبها والتي تذكّرنا بمداخل الجوامع والمدارس المملوكية، وكان أصحابها يغرمون على تشييد هذه المداخل وتزيينها أموالا ضخمة، مثل ما غرمه الأمير سيف الدّين ألجاي اليوسفي على بوّابة داره، خارج باب زويلة، حيث تكلّفت مائة ألف درهم (فيما يلي ٢١٧).

والدّور التي يذكرها المقريزي - والتي تبقّى منها قسم صغير - ليست من الدّور والبيوت التي يقابل الباحثون أوصافها بوفرة في حجج الأوقاف، ولكنّها تمثّل الدّور الكبرى التي شغلها كبار الأمراء المماليك، والتي يعكس بناؤها ثراء هذه الطّبقة النّاتج عن العوائد الضّخمة التي كانت تعود عليهم من الإقطاعات الممنوحة لهم. وفي هذا الإطار فإنّ هذه الدّور والقصور ليست فقط محلّ إقامة وإنّما تعبير عن قوّة ومكانة صاحبها (١)؛ كما أنّ ما صرف على بنائها - وعلى الأخصّ تلك التي أقيمت في عهد النّاصر محمد بن قلاوون والتي أشرف هو بنفسه على بنائها وتولّى الصّرف عليها - مثل: قصر طقتمر الدّمشقي بحدرة البقر، وقصر بكتمر السّاقي على بركة الفيل، وقصر يلبغا اليحياوي، وقصر ألطنبغا المارديني (الذي حلّ محلّهما بين سنتي ٧٥٧ - ٧٦١ هـ جامع ومدرسة النّاصر حسن بالرّميلة)، وقصر قوصون، كان شيئا كثيرا؛ فقد بلغت النّفقة على قصر يلبغا - على سبيل المثال - «أربع مائة ألف ألف وستين ألف درهم نقرة، منها ثمن لا زورد خاصّة مائة ألف درهم» (فيما يلي ٢٣٤).

وعادة ما يشيّد الأمير المملوكي بالقرب من داره رباعا ومدرسة، مثل: دار ومدرسة آق سنقر الفارقاني داخل باب سعادة، ودار ومدرسة بكتمر الحسامي خارج باب النّصر، ودار ومدرسة علاء الدّين مغلطاي بالقرب من درب ملوخيا، ودار ومدرسة علاء الدّين آقبغا عبد الواحد


(١) Garcin، J. -Cl.، op.cit.، p. ١٧٦.