للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها في مصر يقيم في دار الوزارة الفاطميّة ويتردّد على قلعة الجبل لمتابعة تقدّم سير العمل فيها.

وكان أوّل من انتقل نهايئّا للإقامة فيها من سلاطين الأيّوبيين هو السّلطان الملك الكامل محمد في سنة ٦٠٤ هـ/ ١٢٠٧ م. ولم يبق من المباني التي شيّدها الكامل محمد، مثل الإيوان وخزانة الكتب، أيّ شيء، فقد هدمت جميعها في العصر المملوكي البحري وحلّ محلّها منشآت جديدة شيّدها سلاطين المماليك الأوائل وعلى الأخصّ المنصور قلاوون والأشرف خليل والنّاصر محمد، وعلى ذلك فنحن لا نعرف أيّ شيء يقيني عن أيّة منشآت أيّوبيّة داخل قلعة الجبل.

ولم يلبث السّلطان الصّالح نجم الدّين أيّوب - آخر سلاطين الأيّوبيين - أن ترك قلعة الجبل وفضّل الانتقال إلى مقرّ جديد أنشأه سنة ٦٣٨ هـ/ ١٢٤١ م في الجانب الغربي من المدينة في جزيرة الرّوضة المواجهة لفسطاط مصر. ومن أجل بناء قلعة الرّوضة قام الصّالح نجم الدّين أيّوب بهدم العديد من الدّور والقصور والمساجد التي كانت بالجزيرة، كما هدم كنيسة كانت لليعاقبة بجانب المقياس أدخلها في القلعة، وألجأ العديد من النّاس المقيمين بالجزيرة إلى ترك منازلهم (فيما يلي ٥٨٢).

وفور الانتهاء من بناء قلعة الجزيرة تحوّل إليها الصّالح نجم الدّين أيّوب بأهله وحرمه واتّخذها دار ملك، وأسكن فيها معه «مماليكه البحريّة»، وهم الذين سيقومون بدور رئيس في هزيمة فرنج الحملة الصّليبيّة السّابعة في المنصورة، والذين سيرثون الأيّوبيين ويحلّون محلّهم في حكم مصر باسم «الدّولة التّركيّة»، أو «دولة المماليك البحريّة».

وكان بمصر وقت بناء قلعة الرّوضة الرّحّالة عليّ بن سعيد المغربي الذي سجّل إعجابه الشّديد ببنائها وإتقانه، في الجزء الذي خصّصه لذكر «الجزيرة الصّالحيّة» في كتابه «المغرب في حلى المغرب»، وهو من الأجزاء المفقودة من كتابه الآن (فيما يلي ٥٨٤ - ٥٨٥).

ولم تستمرّ «قلعة الرّوضة» طويلا فقد أمر بهدمها السّلطان الملك المعزّ عزّ الدّين أيبك التّركماني - أوّل سلاطين الدّولة التّركيّة - واستخدم أنقاضها في بناء مدرسته المعزّيّة التي أنشأها في رحبة الحنّاء في فسطاط مصر (فيما يلي ٥٨٦). ومع ذلك فقد ظلّت بقايا كثيرة منها موجودة حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي قدّم لنا من خلالها ج. مارسيل J.Marcel - أحد العلماء المصاحبين للحملة الفرنسية على مصر - وصفا لمدخل تذكاري بعقد منكسر، وتخطيطا لقاعة استقبال ملحقة بقصر القلعة. يقول مارسيل: