كانت تقع في حارة الدّيلم (فيما يلي ٢١٨) - وهي قاعة مستطيلة مغلقة تماما تستمدّ هواءها وإضاءتها من قبّة أو منور يعلو مركزها. ويميّز الشّكل الرّئيس لهذه القاعة: الإيوانان المتقابلان في طرفي القاعة، والفضاء الأوسط (أو الدّرقاعة) الذي يفصل بينهما (١).
وظلّ مصطلح «الحيري والكمّين» مستخدما للتدليل على القاعة والمجلس حتى نهاية القرن السّابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي. فقد ذكر المجلس في حجّتي وقف مؤرّختين في سنتي ٦٥٨ هـ/ ١٢٦٠ م و ٦٨٤ هـ/ ١٢٨٥ م باسم «المجلس الحيري بكمّين»(٢)، ولكن كان يكتفى في أغلب الأحيان بإطلاق لفظ «المجلس» فقد للتدليل على طراز «الحيري والكمّين» الذي أحدثه المتوكّل (٣)؛ يدلّ على ذلك ما ذكره الأمير أسامة بن منقذ في سيرته الذّاتية يقول إنّه أثناء إقامته بالقاهرة انهزم رجل سودانيّ إلى علوّ داره والرّجال بالسّيوف خلفه، فأشرف على «القاعة» من ارتفاع عظيم … ثم قفز من السّطح على شجرة نبق في الدّار «ثم نزل ودخل من «كمّ مجلس» قريب منه … » (٤)، كما أنّ أحد أوراق الجنيزة المؤرّخة في سنة ٥٨٦ هـ/ ١١٩٠ م تصف إحدى دور الفسطاط بأنّها تحوي قاعة عريضة مكوّنة من مجلسين متقابلين، وتشير كذلك إلى الكمّين والأبواب ولكنها لا تشير إلى الرّواق الذي يبدو أنّه استعيض عنه بلفظ «قاعة»، وهو اللّفظ الذي أصبح يدلّ فيما بعد على المجلس (٥).
***
وبعد سقوط الفاطميين أدخل خلفاؤهم الأيّوبيّون - ذوي الأصول الشّاميّة - إلى القاهرة عمارة حربيّة ومدنيّة ودينيّة جديدة، تمثّلت في بناء قلعة الجبل والعديد من المدارس السّنّيّة والقاعة الملحقة بقلعة الرّوضة التي شيّدها آخر سلاطين الأيّوبيين الصّالح نجم الدّين أيّوب. كان بناء قلعة الجبل كمدينة محصّنة تشرف في آن واحد على القاهرة والفسطاط، تجديد حقيقي في أساليب وأنماط البناء التي كانت سائدة قبل الأيّوبيين. وكان صلاح الدّين في الأوقات القليلة التي كان يتواجد
(١) Revault، J.، op.cit.، ٣٢. (٢) Sayed، H.I.، «The Development of the Cairene Qa a: Some Considerations»، An.Isl.، XXIII (١٩٨٧)، p. ٣٦. (٣) Ibid.، p. ٣٨. (٤) أسامة بن منقذ: الاعتبار ٣٢. (٥) Garcin، J. -Cl.، «Habitat medieval et histoire urbaine»، dans Palais et Maisons du Caire I.Epoque mamelouke، Paris-CNRS ١٩٨٢، p. ١٧١.