للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلعنه: فمن أجاب إلى ذلك منهم أطلقوه، ومن أبى أحضروه فحقّقوا معرفته: فمنهم من بصق في وجهه وتبرّأ منه، ومنهم من همّ بتقبيله ولم يتبرّأ منه.

فجلس الأفضل واستدعى الوالي والسّيّاف، واستدعى من كان تحت الحوطة من أصحابه، فكلّ من تبرّأ منه ولعنه أطلق سبيله، وبقي من الجماعة ممّن لم يتبرّأ منه خمسة نفر وصبي لم يبلغ الحلم، فأمر بضرب رقابهم، وطلب الأستاذين فلم يقدر عليهما. وقال للصّبيّ من لفظه: تبرّأ منه وأنعم عليك وأطلق سبيلك. فقال له: اللّه يطالبك إن لم تلحقني بهم، فإنّي مشاهد ما هم فيه.

وأخذ بسيفه على الأفضل، فأمر بضرب عنقه (a).

فلمّا توفّى الأفضل أمر الخليفة الآمر بأحكام اللّه وزيره المأمون بن البطائحي، باتّخاذ دار العلم وفتحها على الأوضاع الشّرعية.

ثم عاد حميد القصّار المثنّى بذكره، وظهر، وسكن مصر يدقّ الثّياب بها، ويطلع إلى دار العلم، وأفسد عقل أستاذ وخيّاط وجماعة وادّعى الرّبوبية. فحضر الدّاعي ابن عبد الحقيق إلى الوزير المأمون، وعرّفه بأن هذا قد تعلّق (b) بطرف من علم الكلام على مذهب أبي الحسن الأشعري (١)، ثم انسلخ من (c) الإسلام وسلك طريق الحلاّج (٢) في التّمويه،/ فاستهوى من ضعف عقله وقلّت بصيرته، فإنّ الحلاّج في أوّل أمره كان يدّعي أنّه داعية المهدي، ثم ادّعى أنّه المهدي، ثم ادّعى الإلهية وأنّ الجنّ تخدمه، وأنّه أحيا عدّة من الطّيور.

وكان هذا القصّار تنمّس بالدّين (d)، وجرت له أمور في الأيام الأفضليّة، ونفي دفعة واعتقل أخرى، ثم هرب بعد ذلك، ثم حضر وسار يواصل طلوع الجبل، واستصحب من استهواه من


(a) المسودة: ضرب رقبته.
(b) بولاق: تعرف.
(c) بولاق: عن.
(d) بولاق: شيعي الدين.
(١) المذهب الأشعري (ويقال لأتباعه الأشعريّة والأشاعرة) نسبة إلى الإمام أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري المتوفى في بغداد سنة ٣٣٤ هـ/ ٩٣٥ م مؤسّس مدرسة علم الكلام السنّي (راجع، Montgomery Watt، W.، El ٢ art.al- Ash ari I، pp. ٧١٥ - ١٦; id.، art.Ashcariyya I، pp. ١٨ - ٧١٧؛ جلال محمد موسى: نشأة الأشعرية وتطورها، بيروت - دار الكتاب اللبناني ١٩٧٥؛ Gimaret، D.، La doctrine d'al-Ash ari، Paris ١٩٩١، وانظر فيما يلي ٣٥٦: ٢ - ٣٦٠ ما كتبه المقريزي عن الأشعرية.
(٢) الحلاّج، أبو المغيث الحسين بن منصور بن محمي البيضاوي متكلّم ومتصوّف إسلامي عاش في القرن الثالث الهجري، تعدّ حياته وتجربته نقطة تحوّل هامة في تاريخ حركة التصوّف الإسلامي، توفّي سنة ٣٠٩ هـ/ ٩٢١ م. (الصفدي: الوافي بالوفيات ٧٠: ١٣ - ٧٤ وما فيه من مصادر؛ Massignon، L. & Gardet، L.، art.al-Hall?dj III، pp. ١٠٢ - ١٠٦.