للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحابه. فإذا أبعد قال لبعضهم بعد أن يصلّي ركعتين: نطلب شيئا تأكله أصحابنا. فيمضي ولا يلبث دون أن يعود ومعه ما كان أعدّه مع بعض خاصّته الذين يطّلعون على باطنه. فكانوا يهابونه ويعظّمونه حتى إنّهم يخافون الإثم في تأمّل صورته، فلا ينكفّون مطرقين بين يديه. وكان قصيرا دميم الخلقة، وادّعى مع ذلك الرّبوبية. وكان ممّن اختصّ بحميد رجل خيّاط وخصيّ، فرسم المأمون بالقبض على المذكور وعلى جميع أصحابه. فهرب الخيّاط وطلب فلم يوجد، ونودي عليه، وبذل لمن يحضر به مال فلم يقدر عليه، واعتقل القصّار وأصحابه، وقرّروا فلم يقرّوا بشيء من حاله.

وبعد أيام تماوت في الحبس فلمّا استؤمر عليه أمر بدفنه، فلمّا حمل ليدفن ظهر أنّه حيّ، فأعيد إلى الاعتقال، وبقي كلّ من تبرّأ (a) منه معتقلا، ما خلا الخصيّ فإنّه لم يتبرّأ منه. وذكر أنّ القتل لا يصل إليه، فأمر بقطع لسانه ورمي قدّامه وهو مصرّ على ما في نفسه، فأخرج القصّار والخصيّ ومن لم يتبرّأ منه من أصحابه، فصلبوا على الخشب وضربوا بالنّشّاب، فماتوا لوقتهم. ثم نودي على الخيّاط ثانيا، فأحضر وفعل به ما فعل بأصحابه بعد أن قيل له: ها أنت تنظره. فلم يتبرّأ منه، وصلب إلى جانبه.

وذكر أنّ بعض أصحاب هذا القصّار - ممّن لم يعرف (b) - كان يشتري الكافور، ويرميه بالقرب من خشبته التي هو مصلوب عليها، فيستقبل رائحته من سلك تلك الطّريق، ويقصد بذلك أن يربط عقول من كان القصّار قد أضلّه. فأمر المأمون أن يحطّوا عن الخشب، وأن تخلط رممهم ويدفنوا متفرّقين حتى لا يعرف قبر القصّار من قبورهم.

وكان قتلهم في سنة سبع عشرة وخمس مائة، وابتداء هذه القضيّة سنة ثلاث عشرة وخمس مائة.

قال: وكان الشّريف عبد اللّه يحدّث عن صديق له مأمون القول، أنّه أخبره أنّه لمّا شاع خبر هذا القصّار وما ظهر منه، أراد أن يمتحنه، فتسبّب إلى أن خالطه، وصار في جملة أصحابه ومن يعظّمه ويطلع معه إلى الجبل، فأفسد عقله وغيّر معتقده، وأخرجه عن الإسلام. وأنّه لامه على ذلك وردعه، فحدّثه بعجائب منها أنّه قال: واللّه ما من الجماعة الذين يطلعون معه إلى الجبل أحد إلاّ ويسأله ويستدعيه ما يريد على سبيل الامتحان، فيحضره إليه لوقته. وأنّ بيده سكّينا لا


(a) بولاق: من لم يتبرأ.
(b) بولاق: ممن لم يعرف أنه، وفي المسودة: وكان بعض أصحاب القصار يشتري …