للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصلّى اللّه على سيّدنا محمد نبيّه الذي اصطفى له الدّين، وبعثه إلى الأقربين والأبعدين، وأيّده في الإرشاد حتّى صار العاصي مطيعا، ودخل النّاس في التّوحيد فرادى وجميعا، وغدوا بعروته الوثقى متمسّكين، وأنزل عليه: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ﴾ [الآية ١٦١ سورة الأنعام]. وعلى أخيه وابن عمّه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب إمام الأمّة، وكاشف الغمّة، وأوجه الشّفعاء لشيعته يوم العرض، ومن الإخلاص في ولائه قيام بحقّ وأداء فرض، وعلى الأئمّة من ذرّيتهما سادة البريّة، والعادلين في القضيّة، والعاملين بالسّيرة المرضيّة، وسلّم وكرّم، وشرّف وعظّم.

وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم الثّلاثاء عيد الفطر من سنة ستّ وثلاثين وخمس مائة، وقد كان من قيام أمير المؤمنين بحقّه وأدائه، وجريه في ذلك على عادته وعادة من قبله من آبائه، ما ينبئك به، ويطلعك على مستوره عنك ومغيّبه. وذلك أن دنّس ثوب اللّيل لمّا بيّضه الصّباح، وعاد المحرّم المحظور بما أطلقه المحلّل المباح، توجّهت عساكر أمير المؤمنين من مظانّها إلى بابه، وأفطرت بين يديه بعد ما حازته من أجر الصّيام وثوابه.

ثم انثنت إلى مصافّها في الهيئات التي يقصر عنها تجويد الصّفات، وتغني مهابتها عن تجريد المرهفات، وتشهد أسلحتها وعددها بالتنافس في الهمم، وتعلّق مواضيها في أغمادها شوقا إلى المطلى والقمم. وقد امتلأت الأرض بازدحام الرّجل والخيل، وثار العجاج فلم ير أغرب من اجتماع النّهار واللّيل.

وبرز أمير المؤمنين من قصوره، وظهر للأبصار على أنّه محتجب بضيائه ونوره، وتوجّه إلى المصلّى في هدي جدّه وأبيه، والوقار الذي ارتفع فيه عن النّظير والشّبيه. ولمّا انتهى إليه قصد المحراب واستقبله، وأدّى الصّلاة على وضع رضيه اللّه وتقبّله، وأجرى أمرها على أفضل المعهود، ووفّاها حقّها من القراءة والتّكبير والرّكوع والسّجود.