للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستفتح الخليفة بالتكبير الجاري به العادة في الفطر والخطبتين إلى آخرهما، وكبّر المؤذّنون، ورفع اللّواءان، وترجّل كلّ أحد من موضعه، كما كان ركوبه، وصار الجميع في ركاب الخليفة، وجرى الأمر في رجوعه على ما تقدّم شرحه، ومضى إلى تربة آبائه (١)، وهي سنّتهم في كلّ ركبة بمظلّة، وفي كلّ يوم جمعة، مع صدقات ورسوم تفرّق (٢).

وأمّا الوزير المأمون فإنّه توجّه وخرج من باب العيد والأمراء بين يديه إلى أن وصل إلى باب الذّهب، فدخل منه بعد أن أمر ولده الأكبر بالوصول إلى داره والجلوس على سماط العيد على عادته. ولمّا حلّ (a) المأمون بقاعة الذّهب، وجد الشّروع قد وقع من المستخدمين بتعبئة السّماط، فأمر بتفرقة الرّسوم على أربابها، وهو ما يحمل إلى مجلس الوزارة برسم الحاشية. ولكلّ من حاشية أولاده وإخوته، وكاتب الدّست، ومتولّي حجبة الباب، ومتولّي الدّيوان، وكاتب الدّفتر، والنّائب لكلّ منهم رسم يصرف قبل جلوس الخليفة، وعند انقضاء الأسمطة لغير المذكورين على قدر منزلة كلّ منهم.

ثم حضر أبو الفضائل بن أبي اللّيث (٣)، واستأذن على طيافير الفطرة الكبار التي في مجلس الخليفة، فأمره الوزير بأن يعتمد في تفرقتها على ما كان يعتمده في الأيام الأفضليّة، وهو لكلّ من يصعد المنبر مع الخليفة طيفور.

فلمّا أخذ الخليفة راحة بعد مضيّه إلى التّربة، جلس على السّرير وبين يديه المائدة اللّطيفة الذّهب بالمينا معبّأة بالزّبادي الذّهب، واستدعى الوزير، واصطفّ النّاس من المدوّرة (٤)، إلى آخر السّماط من الجانبين على طبقاتهم، ورفعت السّتور واستفتح المقرئون، ووفيّ الدّولة إسعاف متولّي المائدة مشدود الوسط، ومقدّم خزانة الشّرب بيده شربة في مرفع ذهب وغطاء مرصّعين


(a) بولاق: دخل.
(١) أي التربة المعزية أو تربة الزّعفران (انظر فيما تقدم ٣٥٢ و ٤٦٢).
(٢) قارن مع أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ١٧٦: ٥ - ١٧٨ ومصدره هو تاريخ ابن أبي المنصور المعروف بعلي بن ظافر الأزدي (انظر الفاسي: العقد الثمين ٧٢: ٤، ٧٥). والنّص غير موجود فيما وصل إلينا من كتاب أخبار الدول المنقطعة، ولعل أبا المحاسن نقله من كتاب «أساس السياسة»، الذي نقل عنه أبو المحاسن في ترجمة المعز (النجوم الزاهرة ٤٩: ٤ س ٦).
(٣) الشيخ أبو الفضائل هبة اللّه بن أبي اللّيث متولّي الدّفتر.
(٤) المدوّرة. انظر فيما تقدم ٢٩٤.