ويجلس الأمراء بالقاعة على دكك معدّة لذلك مكسوّة في الصّيف بالحصر السّامان وفي الشّتاء بالبسط الجهرميّة المحفورة.
فإذا أدخلت الدّابّة لركوب الخليفة، وأسندت إلى الكرسي الذي يركب عليه من باب المجلس، أخرجت المظلّة إلى حاملها، فيكشفها ممّا هي ملفوفة فيه غير مطنبة (a)، فيتسلّمها بإعانة أربعة من الصّقالبة برسم خدمتها، فيركّزها في آلة حديد متّخذة شكل القرن المصطخب (b)، وهو مشدود في ركاب حاملها الأيمن بقوّة وتأكيد بعقبها (b)، فيمسك العمود بحاجز فوق يده فيبقى وهو منتصب واقف. ولم يذكر قطّ أنّها اضطربت في ريح عاصف (١).
ثم يخرج «بالسّيف»، فيتسلّمه حامله، فإذا تسلّمه أرخيت ذؤابته ما دام حاملا له. ثم تخرج «الدّواة» فتسلّم لحاملها وهو من الأستاذين المحنّكين، وكان الوزراء حملوها لقوم من الشّهود المعدّلين. وهي الدّواة التي كانت من أعاجيب الزّمان، وهي في نفسها من الذّهب وحليتها مرجان، وهي ملفوفة في منديل شرب بياض مذهّب (٢). وقد قال فيها بعض الشّعراء يخاطب
(a) بولاق: مطوية. (b) زيادة من مسودة المواعظ. (١) تقدّم لنا هذه الفقرة وصفا من الأوصاف القليلة للطبوغرافيا الداخلية للقصر الفاطمي الكبير. (٢) القلقشندي: صبح الأعشى ٤٦٨: ٣. وجاء هنا في حاشية بخط المؤلف: «هذه الدّواة كانت من عنبر بلق وحليتها من المرجان، عملها الأفضل بن أمير الجيوش فلما وقف عليها القاضي الرشيد بن الزّبير أنشده: ألين لداود .. البيتين. وقال فيها الحيص بيص الشاعر البغدادي لمّا بلغه بيتا ابن الزّبير: صيغت دواتك من يوميك فاشتبهت … على الأنام ببلّور ومرجان فيوم سلمك مبيض بفيض ندى … ويوم حربك قان بالدّم القاني ثم إن الأفضل أهدى للخليفة الآمر في سنة اثنتين وخمس مائة هدايا جليلة منها قطعة مرجان فصنع منها الآمر دواة فقال فيها أحمد بن منصور البيتين. وهذا القول عندي هو الأشبه». وفي حاشية أخرى: «هذان البيتان من نظم القاضي الرشيد أحمد بن علي بن الزبير وذكر أنهما من نظم أحمد بن منصور». ا. هـ. وذكر ابن خلكان في ترجمة الوزير العباسي عون الدين يحيى بن هبيرة أن هذه الأبيات أنشدت في مجلسه عند ما أهديت إليه دواة بلّور مرصعة بمرجان أنشدها شاعر ضرير لم يقف على اسمه. فقال الحيص بيض - وكان حاضرا في المجلس -: إنما وصفت صانع الدواة ولم تصفها، فقال الوزير: من عيّر غيّر. فقال الحيص بيص الأبيات التي أوردها المقريزي. ثم أضاف ابن خلكان أنه وجد البيتين الأولين في كتاب «الجنان» للقاضي الرشيد أحمد بن الزبير الغساني ونسبهما إلى القاضي الرشيد أحمد بن قاسم الصقلي قاضي مصر وأورد الرواية المنسوبة إلى الأفضل (وفيات الأعيان ٢٣٦: ٦ - ٢٣٧). وانظر رواية مشابهة للرواية التي أوردها المقريزي في الهامش عند ابن أبيك: كنز الدرر ٤٧٣: ٦،