الخليفة الذي (a) صنعت حلية المرجان في وقته، وهذا من أغرب ما يكون، ذكر ذلك في بيتين وهما:
[الطويل]
ألين لداود الحديد كرامة … فقدر منه السّرد كيف يريد
ولان لك المرجان وهو حجارة … ومقطعه صعب المرام شديد
فيخرج الوزير ومن كان معه من المقطع، وتنضمّ إليه الأمراء، ويقفون إلى جانب الدّابّة (b).
فيرفع صاحب المجلس السّتر، فيخرج من كان عند الخليفة للخدمة منهم، وفي أثرهم يبرز الخليفة بالهيئة المشروح حالها في لباسه: الثّياب المعروضة عليه، والمنديل الحامل لليتيمة بأعلى جبهته، وهو محنّك مرخيّ الذّؤابة ممّا يلي جانبه الأيسر، ويتقلّد بالسّيف العربي (c)، وبيده قضيب الملك وهو طول شبر ونصف من عود مكسو بالذّهب المرصّع بالدّرّ والجوهر (١). فيسلّم على الوزير قوم مرتّبون لذلك، وعلى أهله وعلى الأمراء بعدهم، ثم يخرج أولئك أوّلا فأوّلا، والوزير يخرج بعد الأمراء فيركب ويقف قبالة باب القصر بهيئة.
ويخرج الخليفة [راكبا] (d) وحواليه الأستاذون، ودابّته ماشية على بسط مفروشة خيفة من زلقها على الرّخام (٢). فإذا قارب الباب وظهر وجهه، ضرب رجل ببوق لطيف من ذهب معوّج الرأس - يقال له «الغريبة»(٣) - بصوت عجيب يخالف أصوات البوقات.
فإذا سمع ذلك ضربت الأبواق في الموكب، ونشرت المظلّة، وبرز الخليفة من الباب، ووقف وقفة يسيرة بمقدار ركوب الأستاذين المحنّكين وغيرهم من أرباب الرّتب الذين كانوا بالقاعة للخدمة، وسار الخليفة وعلى يساره صاحب المظلّة وهو يبالغ ألاّ يزول عنه ظلّها.
(a) بولاق: التي. (b) بولاق: الراية. (c) بولاق: المغربي. (d) إضافة من صبح الأعشى. وعندي أن المقريزي أورد روايته نقلا عن ابن أبيك. (١) القلقشندي: صبح الأعشى ٤٦٨: ٣. (٢) هذه العبارة توضح أن أرضية القصر كانت مبلّطة بالرخام وهو ما يؤكده وصف غليوم أسقف صور Guillaume de Tyr، كما نقله جستاف شلميرجيه إلى الفرنسية، حيث يصف من بين أجزاء القصر «فناء مكشوفا تحيط به أروقة ذات أعمدة» وأرضيته مرصوفة بأنواع من الرخام متعددة الألوان، Une vaste cour de? couverte «qu'entouraient de magnifiques portiques a? colonnades، Cour toute pave? e de marbres de diverses couleurs.» (Schlumberger، G.، op.cit.، pp. ١١٨ - ١٩). (٣) عن الغريبة انظر فيما تقدم ٣٠٤؛ وفيما يلي ٤٨٤.