ثم يخرج «الرّمح»(١)، وهو رمح لطيف في غلاف منظوم من اللّؤلؤ، وله سنان مختصر بحلية ذهب (٢)، ودرقة بكوابج (a) ذهب، فيها سعة منسوبة إلى حمزة بن عبد المطّلب ﵁ في غشاء من حرير، لتخرج إلى حاملها وهو أمير مميّز. ولهذه الخدمة وصاحبها عندهم جلالة.
ثم يعلم (b) النّاس بطريق الموكب، وسلوكه لا يتعدّى دورتين: إحداهما كبرى، والأخرى صغرى. أمّا الكبرى فمن باب القصر إلى باب النّصر، مارّا إلى حوض عزّ الملك نبا - ومسجده هناك وهو أقصاها (٣) - ثم ينعطف على يساره طالبا باب الفتوح إلى القصر. والأخرى إذا خرج من باب النّصر سار حافّا بالسّور، ودخل من باب الفتوح.
فيعلم النّاس بسلوك أحدهما (c)، فيسيرون إذا ركب الخليفة فيها من غير تبديل للموكب، ولا تشويش ولا اختلال. فلا يصبح الصّبح من يوم الرّكوب إلاّ وقد اجتمع من بالقاهرة ومصر من أرباب الرّتب وأرباب التّغييرات (d) من أرباب السّيوف والأقلام قياما بين القصرين - وكان براحا واسعا خاليا من البناء الذي فيه اليوم - فيسع القوم لانتظار ركوب (e) الخليفة.
ويبكّر الأمراء إلى الوزير إلى داره، فيركب إلى القصر من غير استدعاء لأنّها خدمة لازمة للخليفة، فيسير أمامه تشريفه المقدّم ذكره، والأمراء بين يديه ركبانا ومشاة، وأمامه أولاده وإخوته/ وكلّ منهم مرخي الذّؤابة بلا حنك، وهو في أهبة (f) عظيمة من الثّياب الفاخرة والمنديل وهو بالحنك، ويتقلّد بالسّيف المذهّب.
فإذا وصل القصر ترجّل قبله أهله في أخصّ مكان لا يصل الأمراء إليه، ودخل من باب القصر وهو راكب دون الحاضرين إلى دهليز يقال له «دهليز العمود»، فيترجّل على مسطبة هناك، ويمشي بقيّة الدّهليز إلى القاعة، فيدخل «مقطع الوزارة»(٤) هو وأولاده وإخوته وخواصّ حاشيته،
(a) بولاق: بكوامخ. (b) النسخ وبولاق: يشعر والمثبت من مسودة المواعظ. (c) بولاق: إحداهما. (d) بولاق: التميزات. (e) ساقطة من بولاق. (f) بولاق: أبهة. وحامل الدواة، وهو أيضا ممّن يرخي الذؤابة ما دام حاملا للسيف. (١) انظر وصف ابن المأمون للرمح الشريف الذي كان يحمل وراء الموكب (فيما تقدم ٢١: ٣٦٥). (٢) القلقشندي: صبح الأعشى ٤٦٩: ٣. (٣) لم يرد ذكر لهذا المسجد في غير هذا الموضع، ويبدو أنه ضاعت معالمه بعد العصر الفاطمي. (٤) عن «دهليز العمود» و «مقطع الوزارة»، انظر فيما تقدم ٢٩٠.