النّعوت وحلّ المنطقة [من وسطي] (a) فلم أفعل؛ فقال الخليفة: علمت ذلك في وقته؛ قال: وكان أولاده يكتبون إليه بما يعلمه مولاي من كوني قد خنته في المال والأهل، وما كان واللّه العظيم ذلك منّي يوما قطّ! ثم مع ذلك معاداة الأهل جميعا والأجناد وأرباب الطّيالس والأقلام، وهو يعطيني كلّ رقعة تصل إليه منهم، وما سمع كلام أحد منهم فيّ؛ فعند ذلك قال له الخليفة: فإذا كان فعل الأفضل معك ما ذكرته، إيش يكون فعلي أنا؟ فقال المأمون: يعرّفني المولى ما يأمر به فأمتثله بشرط ألاّ يكون عليه زائد.
فأوّل ما ابتدأ به أن قال: أريد الأموال لا تجبى إلاّ بالقصر، ولا تصل الكسوات من الطّراز والثّغور إلاّ إليه، ولا تفرّق إلاّ منه، وتكون أسمطة الأعياد فيه، ويوسّع في رواتب القصور من كلّ صنف، وزيادة رسم منديل الكمّ. فعند ذلك قال له المأمون: سمعا وطاعة؛ أمّا الكسوات والجباية والأسمطة فما تكون إلاّ بالقصور، وأمّا توسعة الرّواتب فما ثمّ من يخالف الأمر، وأمّا زيادة رسم منديل الكمّ فقد كان الرّسم في كلّ يوم ثلاثين دينارا، يكون في كلّ يوم مائة دينار؛ ومولانا - سلام اللّه عليه - يشاهد ما يعمل بعد ذلك في الرّكوبات وأسمطة الأعياد وغيرها في سائر الأيام. ففرح الخليفة، وعظمت مسرّته.
ثم قال المأمون: أريد بهذا مسطورا بخطّ أمير المؤمنين، ويقسم لي فيه بآبائه الطّاهرين ألاّ يلتفت لحاسد ولا مبغض، ومهما ذكر/ عنّي (b) يطلعني عليه، ولا يأمر فيّ بأمر سرّا ولا جهرا يكون فيه ذهاب نفسي وانحطاط قدري. [وتكون] (a) هذه الأيمان باقية إلى وقت وفاتي، فإذا توفّيت تكون لأولادي ولمن أخلّفه بعدي. فحضرت الدّواة، وكتب ذلك جميعه، وأشهد اللّه تعالى في آخرها على نفسه؛ فعند ما حصل الخطّ بيد المأمون، وقف وقبّل الأرض وجعله على رأسه. وكان الخطّ بالأيمان نسختين، إحداهما في قصبة فضّة.
قال: فلمّا قبض على المأمون في شهر رمضان سنة تسع عشرة (c) وخمس مائة، أنفذ الخليفة الآمر بأحكام اللّه يطلب الأيمان، فنفّذ له التي في القصبة الفضّة، فحرقها لوقتها، وبقيت النّسخة الأخرى عندي، فعدمت في الحركات التي جرت (١).
(a) زيادة من المقفى الكبير. (b) بولاق: فيّ. (c) في النسخ: وعشرين، خطأ. (١) ابن المأمون: أخبار مصر ٢٠ - ٢٣؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٧٥: ٣ - ٧٧؛ والمقفى الكبير ٤٨٠: ٦ - ٤٨٣.