الفضائل بن أبي اللّيث صاحب دفتر المجلس. ثم استدعي عديّ الملك سعيد بن عماد الضّيف، متولّي أمور الضّيافات والرّسل الواصلين إلى الحضرة من (a) جميع الجهات، وأخذ العلامة على التّوقيعات فأخلع عليه. وما كان أحد يدخل (a) مجلس الأفضل، ولا يصل لعتبته أحد، لا حاجب الحجّاب ولا غيره سوى عديّ الملك هذا، فإنّه كان يقف من داخل العتبة. وكانت هذه الخدمة في ذلك الوقت من أجلّ الخدم وأكبرها، ثم عادت من أهون الخدم وأقلّها (١).
فعند ذلك قال القاضي أبو الفتح [محمود] (b) بن قادوس (٢) يمدح الوزير المأمون عند مثوله بين يديه، وقد زيد في نعوته:
[الكامل]
قالوا أتاه النّعت وهو السّيّد ال … مأمون حقّا والأجلّ الأشرف
ومغيث أمّة أحمد ومجيرها … ما زادنا شيئا على ما نعرف
قال: ولمّا استمرّ حسن نظر المأمون للدولة وجميل أفعاله، بلغ الخليفة الآمر بأحكام اللّه، فشكره وأثنى عليه، فقال له المأمون: ثمّ كلام يحتاج إلى خلوة. فقال الخليفة: تكون في هذه السّاعة (c)، وأمر بخلوّ المجلس. فعند ذلك مثل بين يدي الخليفة وقال له: يا مولانا امتثالنا الأمر صعب ومخالفته أصعب، وما يتّسع خلافه قدّام أمراء دولته وهو في دست خلافته ومنصب آبائه وأجداده، وما في قواي ما يرومه منّي، ويكفيني هذا المقدار، وهيهات أن أقوم به، والأمر كبير.
فعند ذلك تغيّر الخليفة وأقسم لا كان (d) لي وزير غيرك، وهو في نفسي من أيام الأفضل؛ وهو مستمرّ على الاستعفاء إلى أن بان له التّغيّر في وجه الخليفة، وقال: ما اعتقدت أنّك تخرج عن أمري ولا تخالفني؛ فقال له المأمون عند ذلك: لي شروط، وأنا أذكرها؛ فقال له: مهما شئت اشترط؛ فقال له: قد كنت بالأمس مع الأفضل، وكان قد اجتهد في [أن يشرّفني بعدّة] (b)
(a) (a-a) ساقطة من بولاق. (b) زيادة من المقفى الكبير. (c) بولاق في هذا الوقت. (d) بولاق: إن كان والمثبت من المقفى. (١) ابن المأمون: أخبار مصر ٢٠ - ٢١؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٢٦١ - ٢٦٢ والمقفى الكبير ٤٨٠: ٦ - ٤٨١ واتعاظ الحنفا ٧٥: ٣ - ٧٧. (٢) القاضي المفضل كافي الكفاة أبو الفتح محمود بن إسماعيل بن حميد الدمياطي المعروف بابن قادوس، شاعر منشئ من كتاب ديوان الإنشاء بمصر، توفى سنة ٥٥٣ هـ. (ابن ميسر: أخبار ١٥٧؛ العماد الأصفهاني: خريدة القصر (قسم مصر) ٢٢٦: ١ - ٢٣٤؛ السيوطي: حسن المحاضرة ٥٦٣: ١).