للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن ميسّر في حوادث سنة خمس عشرة وخمس مائة: وفيها تشرّف القائد أبو عبد اللّه محمد بن الأمير نور الدّولة أبي شجاع فاتك ابن الأمير منجد الدّولة أبي الحسن مختار المستنصري المعروف بابن البطائحي، في الخامس من ذي الحجّة، وكان قبل ذلك عند الأفضل أستادّاره (١)، وهو الذي قدّمه إلى هذه المرتبة.

واستقرّت نعوته في سجلّه المقروء على كافّة الأمراء والأجناد ب «الأجلّ المأمون، تاج الخلافة، وجيه الملك، فخر الصّنائع، ذخر أمير المؤمنين». ثم تجدّد له من النّعوت بعد ذلك «الأجلّ المأمون، تاج الخلافة، عزّ الإسلام، فخر الأنام، نظام الدّين والدّنيا».

ثم نعت بما كان ينعت به الأفضل، وهو «السّيّد الأجلّ المأمون، أمير الجيوش، سيف الإسلام، ناصر الأنام، كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين» (٢).

ولمّا كان يوم الثلاثاء التاسع (a) من ذي الحجّة - وهو يوم الهناء بعيد النّحر - جلس المأمون في داره عند أذان الصّبح، وجاء النّاس لخدمته للهناء على طبقاتهم من أرباب السّيوف والأقلام، ثم الأمراء والأستاذون المحنّكون والشّعراء بعدهم. فركب إلى القصر، وأتى باب الذّهب، فوجد المرتبة المختصّة بالوزارة قد هيّئت له في موضعها الجاري به العادة، وأغلق الباب الذي عندها على الرّسم المعتاد لوزراء السّيوف والأقلام. وهذا الباب يعرف بباب السّرداب. فعند ما شاهد الحال في المرتبة، توقّف عن الجلوس عليها لأنّها حالة لم يجر معه حديث فيها، ثم ألجأته الضّرورة لأجل حضور الأمراء إلى الجلوس، فجلس عليها وجلس أولاده الثلاثة عن يمينه وأخواه عن يساره، والأمراء المطوّقون - خاصّة دون غيرهم - قيام بين يديه، فإنّه لا يصل أحد إلى هذا المكان سواهم. فلم يكن بأسرع من أن فتح الباب وخرج عدّة من الأستاذين المحنّكين بسلام أمير المؤمنين.


(a) عند ابن ميسر: السابع، وعند النويري: الثالث عشر.
(١) الأستادّار: كلمة فارسية مركبة بمعنى متولّي قبض المال أو كبير الدار أو البيت، وهي من الوظائف التي عرفت في عصر الدولة المملوكية. ويبدو أن إشارة ابن ميسر هذه هي الإشارة الوحيدة لوجود هذه الوظيفة عند الفاطميين. وانظر فيما يلي ٢٢٢: ٢.
(٢) راجع ألقاب المأمون البطائحي عند، ابن ظافر: أخبار ٨٨؛ النويري: نهاية ٢٨٨: ٢٨؛ ابن أيبك: كنز الدرر ٤٨٨: ٦؛ المقريزي: المقفى ٤٧٨: ٦ - ٤٧٩، وفيما يلي ٥١٤.