للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويذكر أنّ هذا الرّأس الشّريف لمّا أخرج من المشهد بعسقلان، وجد دمه لم يجفّ، وله ريح كريح المسك؛ فقدم به الأستاذ مكنون في عشاري من عشاريّات الخدمة، وأنزل به إلى الكافوري، ثم حمل في السّرداب إلى قصر الزّمرّد، ثم دفن عند قبّة الدّيلم بباب دهليز الخدمة (١).

فكان كلّ من يدخل الخدمة يقبّل الأرض أمام القبر، وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم، ويكثرون النّوح والبكاء، ويسبّون من قتل الحسين. ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم.

وقال ابن عبد الظّاهر: مشهد الإمام الحسين - صلوات اللّه عليه وسلامه (a) - قد ذكرنا أنّ طلائع بن رزّيك المنعوت بالصّالح، كان قد قصد نقل الرأس الشّريفة من عسقلان لمّا خاف عليها من الفرنج، وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به ويفوز بهذا الفخار. فغلبه أهل القصر على ذلك وقالوا: لا يكون ذلك إلاّ عندنا، فعمدوا إلى هذا المكان وبنوه له ونقلوا الرّخام إليه، وذلك في خلافة الفائز على يد طلائع في سنة تسع وأربعين وخمس مائة (٢).

وسمعت من يحكي حكاية يستدلّ بها على بعض شرف هذه الرأس المباركة (b)، وهي أنّ السّلطان الملك النّاصر لمّا أخذ هذا القصر، وشي إليه بخادم له قدر في الدولة المصرية - وكان زمام القصر - وقيل إنّه يعرف الأموال التي بالقصر والدّفائن، فأخذ وسئل، فلم


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: هذا الرأس الكريم المبارك. ٣١٠ - ٣١١، وقارن القلقشندي: صبح الأعشى ٣٤٧: ٣، ٣٦٣، ٢٦٤: ١١ - ٢٦٨؛ حسن عبد الوهاب: تاريخ المساجد الأثرية ٧٦: ١ - ٨٣؛ De Smet، D.، «La translation du Ra's al-Husayn au Caire fatimide» Egypt and Syia in Fatimid، Ayyubid and Mamluk Eras، Leuven ١٩٩٩، II، pp. ٢٩ - ٤٤/
(١) Fu?d Sayyid، A.، La capitale de lEgypte، pp. ٢٧٦ - ٧٨.
(٢) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ٣٠، ٧٤ - ٧٥؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٣١٢.
وأنكر ابن فضل اللّه العمري وصول رأس الحسين إلى مصر وقال: «والأغلب أنه لم يتجاوز دمشق لأنه إنما حمل إلى يزيد بن معاوية، وكانت دمشق دار ملكه وملك بني أمية. ومن المحال أن يتجاوز الرأس المحمول إلى السلطان لغير حضرته. وله بدمشق مشهد معروف داخل باب الفراديس وفي خارجه مكان الرأس، على ما ذكروا. وقد جاء في أخبار الدولة العباسية أنهم حملوا أعظم الحسين ورأسه إلى المدينة النبوية حتى دفنوه بقبر أخيه الحسن. والمدى بعيد بين مقتل الحسين ومبنى مشهد عسقلان (مسالك الأبصار ٢١٩: ١ - ٢٢٠).