إلى أخيه أبي سعد وأعلمه بأنّ الوزير متغيّر النّيّة لهما. فلم يفتر أبو سعد عن ابن الأنباري، وأغرى به أمّ المستنصر مولاته، فتحدّثت مع ابنها الخليفة المستنصر في أمره حتى عزله عن الوزارة. فسعى أبو سعد عند أمّ المستنصر لأبي نصر صدقة بن يوسف الفلاحي في الوزارة، فاستوزره المستنصر، وتولّى أبو سعد الإشراف عليه، وصار الوزير الفلاحي منقادا لأبي سعد تحت حكمه.
وأخذ الفلاحيّ يعمل على ابن الأنباري ويغري به، ويضع عليه ذنوبا (a)، ويذكر عنه ما يوجب الغضب عليه حتى تمّ له ما يريد، فقبض عليه، وخرّج عليه من الدّواوين أموالا كثيرة ممّا كان يتولاّه قديما، وألزمه بحملها، ونوّع له أصناف العذاب، واستصفى أمواله وهو معتقل/ بخزانة البنود، ثم قتله في يوم الاثنين الخامس من المحرّم سنة أربعين وأربع مائة بها (١).
فاتّفق أنّ الفلاحيّ لمّا صرف عن الوزارة، اعتقل بخزانة البنود حيث كان ابن الأنباري ثم قتل بها. وحفر له ليدفن فظهر في الحفر رأس ابن الأنباري، قبل أن يمضي فيه القتل، فقال: لا إله إلاّ اللّه، هذا رأس ابن الأنباري أنا قتلته ودفنته ههنا، وأنشد:
[الخفيف]
ربّ لحد قد صار لحدا مرارا … ضاحكا من تزاحم الأضداد
فقتل ودفن في تلك الحفرة مع ابن الأنباري، فعدّ ذلك من غرائب الاتّفاق (٢).
ثم إنّ خزانة البنود جعلت منازل للأسرى من الفرنج المأسورين من البلاد الشّامية أيام كانت محاربة المسلمين لهم. فأنزل بها الملك النّاصر محمد بن قلاوون الأسارى بعد حضوره من الكرك، وأبطل السّجن بها. فلم يزالوا فيها بأهاليهم وأولادهم في أيام السّلطان الملك النّاصر محمد بن قلاوون. فصار لهم فيها أفعال قبيحة وأمور منكرة شنيعة من التّجاهر ببيع الخمر، والتّظاهر بالزّنا واللّياطة، وحماية من يدخل إليها من أرباب الدّيون وأصحاب الجرائم وغيرهم، فلا يقدر أحد - ولو جلّ - على أخذ من صار إليهم واحتمى بهم والسّلطان يغضي عنهم لما يرى في ذلك من مراعاة المصلحة، والسّياسة التي اقتضاها الحال من مهادنة ملوك الفرنج.
(a) بولاق: ويصنع عليه ديونا. (١) نقل المقريزي هذا الخبر في مسودة المواعظ ١٤٨ - ١٤٩ من كتاب «تاريخ وزراء المصريين» لمن يدعى يحيى بن سعيد، وهو مصدر غير معروف لنا. (٢) هذا النّصّ نسبه المقريزي في المسودة إلى ابن ميسر وهو موجود في أخبار مصر ٨ - ٩؛ والبيت المذكور لأبي العلاء المعري.