للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يسكن بالقرب منها الأمير الحاج آل ملك الجوكندار (١)، ويبلغه ما يفعله الفرنج من العظائم الشّنيعة فلا يقدر على منعهم. وفحش أمرهم، فرفع الخبر إلى السّلطان، وأكثر من شكايتهم غير مرّة، والسّلطان يتغافل عن ذلك إلى أن كثرت مفاوضة الحاج آل ملك للسّلطان في أمرهم، فقال له السّلطان: انتقل أنت عنهم يا أمير. فلم يسعه إلاّ الإعراض عن ذلك جملة، وعمّر داره التي بالحسينيّة والإسطبل والجامع المعروف بجامع آل ملك والحمّام والفندق (٢)، وانتقل من داره التي كان فيها بجوار خزانة البنود، وسكن بالحسينيّة إلى أن مات السّلطان الملك النّاصر في أخريات سنة إحدى وأربعين وسبع مائة.

وتنقّل الملك في أولاده إلى أن جلس الملك الصّالح عماد الدّين إسماعيل ابن الملك النّاصر محمد بن قلاوون، وضرب شورى على من يكون نائب السّلطنة (٣) بالدّيار المصرية يدبّر أحوال المملكة - كما كانت العادة في ذلك مدّة الدولة التركية - فأشير بتولية الأمير بدر الدّين جنكلي بن البابا (٤)، فتنصّل من ذلك وأبى قبوله. فعرضت النّيابة على الأمير الحاج آل ملك، فاستبشر وقال:

لي شروط أشرطها على السّلطان، فإن أجابني إليها فعلت ما يرسم به، وهي: ألاّ يفعل شيء في المملكة إلاّ برأيي، وأن يمنع النّاس من شرب الخمر، ويقام منار الشّرع، ولا يعترض على أمر من الأمور فأجيب إلى ما سأل.

وأحضرت التّشاريف، فأفيضت عليه بالجامع من قلعة الجبل في يوم الجمعة الثاني عشر من المحرّم سنة أربع وأربعين وسبع مائة، وأصبح يوم السبت جالسا في دار النّيابة من القلعة، وحكم بين النّاس. وأوّل ما بدأ به أن أمر والي القاهرة بالنّزول إلى خزانة البنود، وأن يحتاط على جميع ما فيها من الخمر والفواحش، ويخرج الأسرى منها، ويهدمها حتى يجعلها دكّا ويسوّي بها الأرض. فنزل إليها ومعه الحاجب في عدّة وافرة، وهجموا على من فيها وهم آمنون، وأحاطوا بسائر ما تشتمل عليه - وقد اجتمع من العامّة والغوغاء ما لا يقع عليه حصر - فأراقوا منها خمورا كثيرة تتجاوز الحدّ في الكثرة، وأخرج من كان فيها من النّساء البغايا وغيرهن من


(١) انظر عنه فيما يلي ٣١٠: ٢ - ٣١١.
(٢) انظر عنها فيما يلي ٣١٠: ٢.
(٣) عن نيابة السّلطنة انظر فيما يلي ٢١٥: ٢.
(٤) الأمير بدر الدين جنكلي بن محمد بن البابا بن جنكلي ابن خليل بن عبد اللّه العجلي، المتوفى سنة ٧٤٦ هـ/ ١٣٤٥ م (الصفدي: أعيان العصر ١٦٣: ١ - ١٦٦، الوافي ١٩٩: ١١ - ٢٠١؛ المقريزي: المقفى الكبير ٧٥: ٣ - ٧٧، السلوك ٨٧١: ١؛ ابن حجر: الدرر الكامنة ٧٦: ٢، أبو المحاسن: المنهل ٢٢: ٥ - ٢٥، النجوم ١٤٣: ١٠).