أيا صاحبي سجن الخزانة خلّيا … من الصّبح ما يبدو سناه لناظري
فو اللّه ما أدري أطرفي ساهر … على طول هذا اللّيل أم غير ساهر؟
وما لي من أشكو إليه أذاكما … سوى ملك الدّنيا شجاع بن شاور (١)
واستمرّت سجنا للأمراء والوزراء والأعيان إلى أن زالت الدولة، فاتّخذها ملوك بني أيّوب أيضا سجنا يعتقل فيه الأمراء والمماليك (٢).
ومن غريب ما وقع بها أنّ الوزير أحمد بن علي الجرجرائي لمّا توفي، طلب الوزارة الحسن بن عليّ الأنباري فأجيب إليها، فتعجّل من سوء التدبير قبل تمامه ما فوّته مراده، وضيّع ماله ونفسه (٣). وذلك أنّه كان قد نبغ في أيام الحاكم بأمر اللّه أخوان يهوديّان يتصرّف أحدهما في التّجارة، والآخر في الصّرف وبيع ما يحمله التّجّار من العراق، وهما أبو سعد إبراهيم وأبو نصر هارون ابنا سهل التّستري، واشتهر من أمرهما في البيوع وإظهار ما يحصل عندهما من الودائع الخفيّة لمن يفتقد من التجّار في القرب والبعد، ما ينشأ به جميل الذّكر في الآفاق، فاتّسع حالهما لذلك.
واستخدم الخليفة الظّاهر لإعزاز دين اللّه أبا سعد إبراهيم بن سهل التّستري في ابتياع ما يحتاج إليه من صنوف الأمتعة، وتقدّم عنده فباع له جارية سوداء فتحظّى بها الظّاهر وأولدها ابنه المستنصر. فرعت لأبي سعد ذلك، فلمّا أفضت الخلافة إلى المستنصر ولدها، قدّمت أبا سعد وتخصّصت به في خدمتها (٤).
فلمّا مات الوزير الجرجرائي، وتكلّم ابن الأنباري في الوزارة، قصده أبو نصر أخو أبي سعد، فجبهه أحد أصحابه بكلام مؤلم، فظنّ أبو نصر أنّ الوزير ابن الأنباري إذا بلغه ذلك ينكر على غلامه ويعتذر إليه، فجاء منه خلاف ما ظنّه، وبلغه عنه أضعاف ما سمعه من الغلام، فشكا ذلك
(١) هذا الخبر نقله المقريزي في المسودة عن ابن عبد الظاهر وهو موجود في الروضة الزاهرة ٤٧ - ٤٨، وانظر الأبيات عند محمد عبد الحميد سالم: شعر المهذب بن الزبير - تحقيق ودراسة، القاهرة - هجر للطباعة والنشر ١٩٨٨، ١٨٢، ١٩٥. (٢) المقريزي: مسودة المواعظ والاعتبار ١٤٤. (٣) سيفصل المقريزي هذا الخبر بعد قليل. (٤) انظر كذلك ابن ميسر: أخبار مصر ٣ - ٥، ٢٥؛ ناصر خسرو: سفرنامه ١٠٨ - ١٠٩؛ النويري: نهاية الأرب ٢٢٥: ٢٨؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٩٥: ٢ - ١٩٦، ٢٦٦ - ٢٦٧؛ Fishel، W.L.، Jews in the Economic and Political Life of Mediaeval Islam، N.Y. ١٩٦٩، pp. ٦٨ - ٨٩.