لاستخراج ثلث الخراج على ما تشهد به المكلّفات المذكورة، فينفق في الأجناد، فإنّه لم يكن حينئذ للأجناد إقطاعات كما هو الآن (١). وكان من العادة أن يخرج إلى كلّ ناحية ممّن ذكر من لم يكن خرج وقت المساحة، بل ينتدب قوم سواهم. فلمّا خرج الشادّ والكاتب والعدول لاستخراج ثلث مال الناحية، استدعوا أرباب الزّرع على ما تشهد به المكلّفة، ومن جملتهم ضامن المعدّيّة. فلمّا حضر ألزم بستة وعشرين دينارا وثلثي دينار، عن نظير ثلث المال الثمانين دينارا التي تشهد بها المكلّفة عن خراج أرض اللّجام.
فأنكر الضّامن أن تكون له زراعة بالناحية، وصدّقه أهل البلد. فلم يقبل الشادّ ذلك - وكان عسوفا - وأمر به فضرب بالمقارع، واحتجّ بخطّ العدول على المكلّفة، وما زال به حتى باع معدّيته وغيرها، وأورد ثلث المال الثابت في المكلّفة./ وسار إلى القاهرة، فوقف تحت السّفينة (a)، وأعلن بما تقدّم ذكره، فأمر الخليفة الحافظ بإحضاره. فلمّا مثل بحضرته قصّ عليه ظلامته مشافهة، وحكى له ما اتّفق منه في حقّ النّصراني، وما كاده به. فأحضر ابن الخلاّل وجميع أرباب الدّواوين، وأحضرت المكلّفات التي عملت للناحية المذكورة في عدّة سنين ماضية، وتصفّحت بين يديه سنة سنة، فلم يوجد لأرض اللّجام ذكر ألبتّة. فحينئذ أمر الخليفة الحافظ بإحضار ذلك النّصرانيّ وسمّر في مركب، وأقام له من يطعمه ويسقيه، وتقدّم بأن يطاف به سائر الأعمال، وينادى عليه، ففعل ذلك. وأمر بكفّ أيدي النّصرانية كلّها عن الخدم في سائر المملكة، فتعطّلوا مدّة إلى أن ساءت أحوالهم (٢).
وكان الحافظ مغرما بعلم النّجوم، وله عدّة من المنجّمين من جملتهم شخص صار إليه عدّة من أكابر كتّاب النّصارى، ودفعوا إليه جملة من المال، ومعهم رجل منهم يعرف بالأخرم بن أبي زكريا (٣)، وسألوه أن يذكر للحافظ في أحكام تلك السّنة حلية هذا الرجل، فإنّه إن أقامه في تدبير
(a) بولاق: السّقيفة. (١) انظر فيما تقدم ٢٣٠: ١. (٢) حدث هذا الموقف من النصارى في أعقاب سيطرة الأرمن على الأمور في مصر في ظل وزارة الوزير بهرام الأرمني والإجراءات التي اتخذها الوزير السني رضوان بن ولخشي ضدهم (راجع، Leiser، G.، «The Madrasa and the Islamization of the Middle East.The Case of Egypt»، JARCEXII (١٩٨٥)، pp. ٢٩ - ٤٧؛ أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ٢٦٤ - ٢٦٦. (٣) انظر عن الأخرم بن أبي زكريا فيما تقدم ٣٣١ - ٣٣٢.