للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دولته زاد النّيل، ونما الارتفاع، وزكت الزّروع، ونتجت الأغنام، ودرّت الضّروع، وتضاعفت الأسماك، وورد التّجّار، وجرت قوانين المملكة على أجمل الأوضاع. فطمع ذلك المنجّم في كثرة ما عاينه من الذّهب، وعمل ما قرّره النّصارى معه.

فلمّا رأى الحافظ ذلك تعلّقت نفسه بمشاهدة تلك الصّفة، فأمر بإحضار الكتّاب من النّصارى، وصار يتصفّح وجوههم من غير أن يطلع أحدا على ما يريده، وهم يؤخّرون الأخرم عن الحضور إليه - قصدا منهم، وخشية أن يفطن بمكرهم - إلى أن اشتدّ إلزامهم بإحضار سائر من بقي منهم، فأحضروه بعد أن وضعوا من قدره (a) وليشينوا أمره (a).

فلمّا رآه الحافظ، رأى فيه الصّفات التي عيّنها منجّمه، فاستدناه إليه وقرّبه، وآل أمره إلى أن ولاّه أمر (b) الدّواوين. فأعاد كتّاب النّصارى أوفر ما كانوا عليه، وشرعوا في التّجبّر، وبالغوا في إظهار الفخر، وتظاهروا بالملابس العظيمة، وركبوا البغلات الرائعة والخيول المسوّمة بالسّروج المحلاّة واللّجم الثّقيلة، وضايقوا المسلمين في أرزاقهم واستولوا على الأحباس الدّينية والأوقاف الشّرعية، واتّخذوا العبيد والمماليك والجواري من المسلمين والمسلمات. وصودر بعض كتّاب المسلمين فألجأته الضّرورة إلى بيع أولاده وبناته، فيقال إنّه اشتراهم بعض النّصارى، وفي ذلك يقول ابن الخلاّل:

[الوافر]

إذا حكم النّصارى في الفروج … وغالوا بالبغال وبالسّروج

وذلّت دولة الإسلام طرّا … وصار الأمر في أيدي العلوج

فقل للأعور الدّجّال هذا … زمانك إن عزمت على الخروج

وموضع السّفينة (c) فيما بين درب السّلاّمي وبين خزانة البنود، يتوصّل إليه من تجاه البئر التي قدّام دار كانت تعرف بقاعة ابن كتيلة؛ ثم استولى عليها جمال الدّين الأستادّار وجعلها مسكنا لأخيه ناصر الدّين الخطيب، وغيّر بابها.


(a) (a-a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: أمير.
(c) بولاق: السقيفة.