للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بصوت عال: «لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه، عليّ وليّ الله». فيسمعه الخليفة فيأمر بإحضاره إليه، أو يفوّض أمره إلى الوزير أو القاضي أو الوالي (١).

ومن غريب ما وقع أنّ الموفّق بن الخلاّل (٢) لمّا كان يتحدّث في أمور الدّواوين أيّام الخليفة الحافظ لدين اللّه، وخرج من انتدب بعد انحطاط النّيل من العدول والنّصارى الكتّاب إلى الأعمال، لتحرير ما شمله الرّيّ وزرع من الأراضي، وكتابة المكلّفات (٣). فخرج إلى بعض النّواحي من يمسحها من شادّ وناظر وعدول، وتأخّر الكاتب النّصراني ثم لحقهم وأراد التعدية إلى الناحية، فحمله ضامن تلك المعدّيّة إلى البرّ، وطلب منه أجرة التّعدية، فنفر فيه النّصراني وسبّه وقال: أنا ماسح هذه البلدة، وتريد منّي حق التّعدية؟ فقال له الضّامن: إن كان لي زرع خذه.

وقلع لجام بغلة النّصراني، وألقاه في معديته. فلم يجد النّصراني بدّا من دفع الأجرة إليه حتى (a) أخذ لجام بغلته.

فلمّا تممّ مساحة البلد، وبيّض مكلّفة المساحة ليحملها إلى دواوين الباب - وكانت عادتهم حينئذ هذا (b) - كتب الجملة بزيادة عشرين فدّانا وترك بياضا في بعض الأوراق، وقابل العدول على المكلّفة، وأخذ خطوطهم (c) عليها بالصّحة، ثم كتب في البياض الذي تركه: «أرض اللّجام - باسم ضامن المعدّيّة -: عشرين فدّانا قطيعة. كلّ فدّان أربعة دنانير، عن ذلك ثمانون دينارا».

وحمل المكلّفة إلى ديوان الأصل.

وكانت العادة إذا مضى من السنة الخراجية أربعة أشهر، ندب من الجند من فيه حماسة وشدّة، ومن الكتّاب العدول، وكاتب نصراني. فيخرجون إلى سائر الأعمال كذلك (b)


(a) بولاق: حين.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) بولاق: الخطوط.
(١) في مسودة المواعظ جاءت هذه الكلمة بخط المقريزي السّفينة لا السّقيفة كما اشتهر عنها بمعنى سقيفة أو جزء مسقوف في فناء وتابعت نشرة بولاق في ذلك في كتابي la capitale de l'Egypte، ولكن يبدو من خلال مسودات المقريزي والنسخ المنقولة من خطه أن صواب الكلمة «السفينة»، وربما كانت جزءا بارزا في القصر يجلس فيه الخليفة كل ليلة ويأتي إليه المتظلمون، لا بسقيفة يقف تحتها المتظلمون!
(٢) الموفّق أبو الحجّاج يوسف بن علي بن الخلاّل صاحب ديوان الإنشاء في دولة الحافظ لدين اللّه ومن بعده من الخلفاء، توفي في ٢٣ جمادى الآخرة سنة ٥٦٦ هـ/ ١١٧٠ م (العماد الأصفهاني: خريدة القصر (قسم مصر) ٢٣٥: ١ - ٢٣٧؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان ٢١٩: ٦ - ٢٢٥؛ ابن ميسر: أخبار مصر ١٥١؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٢١٨: ٣).
(٣) عن المكلّفات. انظر فيما تقدم ٢٣٠: ١.