يقول: لا أدخل مصر (a) حتى تقبض على بلدكوش - وكان أحد الأمراء، وقد استبدّ (b) على المستنصر بعد قتل ابن حمدان - فبادر المستنصر وقبض عليه واعتقله بخزانة البنود.
فقدم بدر عشيّة الأربعاء، لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة خمس وستين وأربع مائة، فتهيّأ له أن قبض على جميع أمراء الدولة. وذلك أنّه لمّا قدم لم يكن عند الأمراء علم من استدعائه، فما منهم إلاّ من أضافه وقدم إليه، فلمّا انقضت نوبهم في ضيافته، استدعاهم إلى منزله في دعوة صنعها لهم، وبيّت مع أصحابه أنّ القوم إذا جنّهم (c) اللّيل فإنّهم لابد يحتاجون إلى الخلاء، فمن قام منهم إلى الخلاء يقتل هناك، ووكّل بكلّ واحد واحدا من أصحابه، وأنعم عليه بجميع ما يتركه ذلك الأمير من دار ومال وإقطاع وغيره. فصار الأمراء إليه، وظلّوا نهارهم عنده وباتوا مطمئنين، فما طلع ضوء النّهار حتى استولى أصحابه على جميع دور الأمراء، وصارت رؤوسهم بين يديه.
فقويت شوكته، وعظم أمره، وخلع عليه المستنصر بالطّيلسان المقوّر، وقلّده وزارة السّيف والقلم، فصارت القضاة والدّعاة وسائر المستخدمين من تحت يده، وزيد في ألقابه «أمير الجيوش، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين»، وتتبّع المفسدين فلم يبق منهم أحدا حتى قتله، وقتل من أماثل المصريين وقضاتهم ووزرائهم جماعة.
ثم خرج إلى الوجه البحري، فأسرف في قتل من هنالك من لواتة، واستصفى أموالهم، وأزاح المفسدين وأفناهم بأنواع القتل، وصار إلى البرّ الشرقي فقتل منه كثيرا من المفسدين.
ونزل إلى الإسكندرية، وقد ثار بها جماعة مع ابنه الأوحد، فحاصرها أياما من المحرّم سنة سبع وسبعين وأربع مائة إلى أن أخذها عنوة، وقتل جماعة ممّن كان بها، وعمّر بها (d) جامع العطّارين من مال المصادرات، وفرغ من بنائه في ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين وأربع مائة (١).
(a) بولاق: إلى مصر. (b) بولاق: اشتد. (c) بولاق: أجنهم. (d) ساقطة من بولاق. (١) ابن ميسر: أخبار مصر ٤٦؛ النويري: نهاية الأرب ٢٣٨: ٢٨؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٣٢١: ٢؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١١٩: ٥، ١٢٠. ولم يبن بدر الجمالي هذا الجامع وإنما جدّده وأشار إلى ذلك في لوحة تاريخية مثبتة الآن في قاعدة المنارة على يسار الداخل من الباب البحري الشرقي ونصها: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ﴿إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اَللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَاَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَأَقامَ اَلصَّلاةَ وَآتَى اَلزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اَللّهَ﴾ [الآية ١٨ سورة التوبة]. ممّا أمر بإنشائه السيد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الإمام كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين أبو النجم بدر المستنصري