للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم سار إلى الصّعيد، فحارب جهينة والثّعالبة، وأفنى أكثرهم بالقتل، وغنم من الأموال ما لا يعرف قدره كثرة فانصلح (a) به حال الإقليم بعد فساده.

ثم جهّز العساكر لمحاربة البلاد الشّامية، فسارت إليها غير مرّة وحاربت أهلها، ولم يظفر منها بطائل، واستناب ولده شاهنشاه وجعله وليّ عهده.

فلمّا كان في سنة سبع وثمانين وأربع مائة، مات في ربيع الآخر، وقيل في جمادى الأولى منها. وقد تحكّم في مصر تحكّم الملوك، ولم يبق للمستنصر معه أمر، واستبدّ بالأمور فضبطها أحسن ضبط. وكان شديد الهيبة، وافر الحرمة، مخوف السّطوة. قتل من مصر خلائق لا يحصيها إلاّ خالقها، منها أنّه قتل في يوم (b) من أهل البحيرة نحو العشرين ألف إنسان، إلى غير ذلك من أهل دمياط والإسكندرية والغربيّة والشّرقيّة وبلاد الصّعيد وأسوان وأهل القاهرة ومصر - إلاّ أنّه عمّر البلاد، وأصلحها بعد فسادها وخرابها بإتلاف المفسدين من أهلها. وكان له يوم مات نحو الثمانين سنة.

وكانت له محاسن منها أنّه أباح الأرض للمزارعين ثلاث سنين حتى ترفّعت (c) أحوال الفلاّحين واستغنوا في أيّامه، ومنها حضور التّجّار إلى مصر لكثرة عدله بعد انتزاحهم منها في أيام الشّدّة، ومنها كثرة كرمه.

وكانت مدّة أيّامه بمصر إحدى وعشرين سنة، وهو أوّل وزراء السّيوف الذين حجروا على الخلفاء بمصر.

ومن آثاره الباقية بالقاهرة: باب زويلة، وباب الفتوح، وباب النّصر (١).


(a) بولاق: فصلح.
(b) في يوم: ساقطة من بولاق.
(c) بولاق: ترفهت. عند حلول ركابه بثغر الإسكندرية ومشاهدته هذا الجامع خرابا، فرأى بحسن ولائه ودينه تجديده زلفا إلى اللّه تعالى، وذلك في ربيع الأول سنة سبع وسبعين وأربع مائة». van Berchem، M.، CIA I، n ٠? ٥١٨; Wiet.G.، «Nouvelles inscriptions fatimides»، BIE XXIV (١٩٤١ - ٤٢)، pp. ١٤٧ - ٤٨; id.، RCEA، VIII، n ٠? ٢٧٤٥؛ حسن عبد الوهاب: تاريخ المساجد الأثرية ٦٧: ١؛ جمال الدين الشيال: «الإسكندرية، طبوغرافية المدينة وتطورها من أقدم العصور إلى الوقت الحاضر»، المجلة التاريخية المصرية ٢ (أكتوبر ١٩٤٩)، ٢١٦ - ٢١٧).
(١) لم يذكر المقريزي باب البرقية (باب التوفيق) من بين منشآت بدر الجمالي رغم وجود لوحة تذكارية تفيد بناء بدر الجمالي له في المحرم سنة ٤٨٠ هـ/ ١٠٨٧ م. (فيما يلي ٢٨٣)، وعن بقيّة منشآت بدر الجمالي انظر، FU'?d Sayyid، A.، op.cit.، pp. ٤٣١ - ٥٣.