للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمير الجيوش أبو النّجم بدر الجمالي: كان مملوكا أرمنيّا لجمال الدّولة بن عمّار، فلذلك عرف بالجمالي، وما زال يأخذ بالجدّ من زمن شبيبته (a) فيما يباشره، ويوطّن نفسه على قوّة العزم، ويتنقّل في الخدم حتى ولي إمارة دمشق من قبل المستنصر في يوم الأربعاء ثالث عشرين ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وأربع مائة (١).

ثم سار منها كالهارب في ليلة الثلاثاء لأربع عشرة خلت من رجب سنة ستّ وخمسين، ثم وليها ثانيا يوم الأحد سادس شعبان سنة ثمان وخمسين، فبلغه قتل ولده في (b) شعبان بعسقلان، فخرج في شهر رمضان سنة ستين وأربع مائة، فثار العسكر وأحرقوا (c) قصره، وتقلّد نيابة عكّا.

فلمّا كانت الشّدّة بمصر من شدّة الغلاء وكثرة الفتن، والأحوال بالحضرة قد فسدت، والأمور قد تغيّرت، وطوائف العسكر قد شغبت، والوزراء يقنعون بالاسم دون نفاذ الأمر والنّهي، والرّجاء قد أيس منه، والصّلاح لا مطمع فيه، ولواتة قد ملكت الرّيف، والصّعيد بأيدي العبيد، والطّرقات قد/ انقطعت برّا وبحرا إلاّ بالخفارة الثّقيلة.

فلمّا قتل بلدكوش ناصر الدّولة حسين بن حمدان، كتب المستنصر إليه يستدعيه ليكون المتولّي لتدبير دولته، فاشترط أن يحضر معه من يختاره من العساكر، وأن (b) لا يبقي أحدا من عسكر مصر، فأجابه المستنصر إلى ذلك.

فاستخدم معه عسكرا، وركب البحر من عكّا في أوّل كانون، وسار بمائة مركب، بعد أن قيل له إنّ العادة لم تجر بركوب البحر في الشتاء لهيجانه وخوّف التّلف، فأبى عليهم وأقلع، فتمادى الصّحو والسّكون مع الرّيح الطيبة مدّة أربعين يوما، حتى كثر التعجّب من ذلك، وعدّ من سعادته.

فوصل إلى تنّيس ودمياط، واقترض المال من تجّارها ومباشريها (d)، وقام بأمر ضيافته وما يحتاج إليه من الغلال سليمان اللّواتي كبير أهل البحيرة. وسار إلى قليوب فنزل بها وأرسل إلى المستنصر


(a) بولاق: سبيه.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) بولاق: أخربوا.
(d) بولاق: مياسيرها.
(١) ابن القلانسي: ذيل ٩١ - ٩٢؛ ابن الأثير: الكامل ٣٠: ١٠؛ ابن ميسر: أخبار ٢٨، النويري: نهاية ٢٣٢: ٢٨؛ المقريزي: اتعاظ ٢٦٨: ٢؛ ابن حجر: رفع الإصر ٩١.