فأمور السّلطنة كلّها فيها أيسر وأكثر، وبها الطّراز وسائر الأشياء التي تتزيّن بها الرجال والنّساء؛ إلاّ أنّ في هذا الوقت، لمّا اعتنى السّلطان الآن ببناء قلعة الجزيرة التي أمام الفسطاط وصيّرها سرير السّلطنة (١)، عظمت عمارة الفسطاط، وانتقل إليها كثير من الأمراء، وضخمت أسواقها، وبني فيها للسّلطان أمام الجسر الذي للجزيرة قيسارية عظيمة، تنقّل إليها من القاهرة سوق الأجناد التي يباع فيها الفراء والجوخ وما أشبه ذلك (٢).
و «معاملة»[أهل] (a) القاهرة والفسطاط بالدراهم المعروفة بالسّوداء، كلّ درهم منها ثلث من الدّرهم النّاصري، وفي المعاملة بها شدّة وخسارة في البيع والشّراء، ومخاصمة مع الفريقين.
وكان بها في القديم الفلوس، فقطعها الملك الكامل، فبقيت إلى الآن مقطوعة منها.
وهي في الإقليم الثالث، وهواؤها رديء لا سيّما إذا هبّ المريسيّ من جهة القبلة، وأيضا رمد العين فيها كثير، والمعايش فيها متعذّرة نزرة لا سيما أصناف الفضلاء، وجوامك المدارس قليلة كدرة. وأكثر ما يتعيشّ بها اليهود والنّصارى في كتابة الخراج والطّب. والنّصارى بها يمتازون بالزّنار في أوساطهم، واليهود بعلامة صفراء في عمائمهم، ويركبون البغال، ويلبسون الملابس الجليلة (٣).
ومآكل أهل القاهرة الدّلينيس (b) والصّير والصّحناة والبطارخ، ولا تصنع النّيدة - وهي حلاوة القمح - إلاّ بها وبغيرها من الديار المصرية، وفيها جوار طبّاخات، أصل تعليمهن من قصور الخلفاء الفاطميين، لهن في الطّبخ صناعة عجيبة ورياسة متقدّمة.
ومطابخ السّكّر، والمطابخ التي يصنع فيها الورق المنصوري، مخصوصة بالفسطاط دون القاهرة.
ويصنع فيها من الأنطاع المستحسنة ما يسفّر إلى الشّام وغيرها، ولها من الشّروب الدّمياطية وأنواعها ما اختصّت به، وفيها صنّاع للقسيّ كثيرون متقدّمون، ولكن قسيّ دمشق بها يضرب المثل وإليها النهاية.
(a) زيادة من ابن سعيد. (b) بولاق: الدميس. (١) انظر فيما يلي ١٨٣: ٢. (٢) ابن سعيد: النجوم ٢٧؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٢٥ - ٢٦. (٣) نفسه ٢٨؛ نفسه ٢٦، وقارن مع أمية بن عبد العزيز: الرسالة المصرية ٣٤.