للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصر، وساروا إلى الشّام والعراق، وخرج من خزائن القصر ما يجلّ وصفه (١). وقد ذكر طرف من ذلك في أخبار القاهرة عند ذكر خزائن القصر (٢). فاضطرّ الأجناد - مع (a) ما هم فيه من شدّة الجوع - إلى مصالحة ابن حمدان، بشرط أن يقيم في مكانه ويحمل إليه مال مقرّر، وينوب عنه شاذي بالقاهرة. فرضي بذلك وسيّر الغلال إلى القاهرة ومصر، فسكن ما بالناس من شدّة الجوع قليلا. ولم يكن ذلك إلاّ نحو شهر، ووقع الاختلاف عليه، فقدم من البحيرة إلى مصر وحاصرها وانتهبها، وأحرق دورا عديدة بالسّاحل، ورجع إلى البحيرة (٣).

فدخلت سنة أربع وستين والحال على ذلك، وشاذي قد استبدّ بأمر الدولة، وفسد ما بينه وبين ابن حمدان، ومنعه من المال الذي تقرّر له، وشحّ به عليه فلم يوصّله إلاّ القليل. (b) فحرّك ذلك من (b) ابن حمدان، وجمع العربان وسار إلى الجيزة، وخادع شاذي حتى صار إليه ليلا في عدّة من الأكابر، فقبض عليه وعليهم، وبعث أصحابه فنهبوا مصر وأطلقوا فيها النار، فخرج إليهم عسكر المستنصر من القاهرة وهزموهم.

فعاد إلى البحيرة، وبعث رسولا إلى الخليفة القائم بأمر اللّه ببغداد يخبره (a) بإقامة الخطبة له، وسأله الخلع والتّشاريف. فاضمحلّ أمر المستنصر وتلاشى ذكره، وتفاقم الأمر في الشّدة من الغلاء حتى هلكوا.

فسار ابن حمدان إلى البلد وليس في أحد قوّة يمنعه بها، فملك القاهرة، وامتنع المستنصر بالقصر، فسيّر إليه رسولا يطلب منه المال، فوجده وقد ذهب سائر ما كان يعهده من أبّهة الخلافة حتى جلس على حصير، ولم يبق معه سوى ثلاثة من الخدم، فبلّغه رسالة ابن حمدان، فقال المستنصر للرّسول: ما يكفي ناصر الدّولة أن أجلس في مثل هذا البيت على هذا الحال؟! فبكى الرّسول رقّة له، وعاد إلى ابن حمدان، فأخبره بما شاهد من اتّضاع أمر المستنصر وسوء حاله.

فكفّ عنه، وأطلق له في كلّ شهر مائة دينار، وامتدّت يده وتحكّم، وبالغ في إهانة المستنصر مبالغة عظيمة، وقبض على أمّه وعاقبها أشدّ العقوبة، واستصفى أموالها فحاز منها شيئا كثيرا.


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: فحرد من ذلك.
(١) ابن ميسر: أخبار مصر ٣٦؛ النويري: نهاية ٢٣٠: ٢٨؛ المقريزي: اتعاظ ٣٠٢: ٢ - ٣٠٣.
(٢) انظر فيما يلي ٣٥٥ - ٤٠١.
(٣) ابن ميسر: أخبار مصر ٣٧؛ النويري: نهاية الأرب ٢٣٠: ٢٨ - ٢٣١، المقريزي: اتعاظ الحنفا ٣٠٥: ٢.