للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وميلهم مع المستنصر، فخرج إلى الجيزة، وانتهب النّاس دوره ودور حواشيه. فلمّا جنّ عليه الليل، عاد من الجيزة سرّا إلى دار القائد تاج الملوك شاذي، وترامى عليه وقبّل رجليه، وسأله النّصرة على الذّكر والوزير الخطير، فإنّهما قاما بهذه الفتنة، فأجابه إلى ذلك، ووعده بقتل المذكورين، وفارقه ابن حمدان.

فلمّا كان من الغد ركب شاذي في أصحابه، وأخذ يسير بين القصرين بالقاهرة، وأقبل الوزير الخطير في موكبه، فبادره شاذي على حين غفلة وقتله، ففرّ الذّكر إلى القصر والتجأ بالمستنصر، فلم يكن بأسرع من قدوم ابن حمدان وقد استعدّ للحرب فيمن معه. فركب المستنصر بلأمة الحرب، واجتمع إليه الأجناد والعامّة، وصار في عدد لا ينحصر وبرزت الفرسان. فكانت بين الخليفة وابن حمدان حروب آلت إلى هزيمة ابن حمدان، وقتل كثير من أصحابه، فمضى في طائفة إلى البحيرة، وترامى على بني سنبس وتزوّج منهم (١).

فعظم الأمر بالقاهرة ومصر، من شدّة الغلاء وقلّة الأقوات، لما فسد من الأعمال بكثرة النّهب وقطع الطّريق، حتى أكل النّاس الجيف والميتات، ووقف أرباب الفساد في الطريق، فصاروا يقتلون من ظفروا به في أزقّة مصر، فهلك من أهل مصر في هذه الحروب والفتن ما لا يمكن حصره (٢).

وامتدّ ذلك إلى أن دخلت سنة ثلاث وستين، فجهّز المستنصر عساكره لقتال ابن حمدان بالبحيرة، فسارت إليه ولم يوفّق في محاربته، فكسرها كلّها واحتوى على ما كان معها من سلاح وكراع ومال، فتقوّى به وقطع الميرة عن البلد، ونهب أكثر الوجه البحري، وقطع منه الخطبة للمستنصر، ودعا للخليفة القائم بأمر اللّه العبّاسي بالإسكندرية ودمياط وعامّة الوجه البحري. فاشتدّ الجوع، وتزايد الموتان بالقاهرة ومصر/، حتى إنّه كان يموت الواحد من أهل البيت، فلا يمضي يوم وليلة من موته حتى يموت سائر من في ذلك البيت ولا يجد (a) من يستولي عليه. ومدّت الأجناد أيديها إلى النّهب، فخرج الأمر عن الحدّ، ونجا أهل القوّة بأنفسهم من


(a) بولاق: يوجد.
(١) ابن ميسر: أخبار مصر ٣٣ - ٣٤؛ ابن الأثير: الكامل ١٠ - ٨٤؛ النويري: نهاية الأرب ٢٢٨: ٢٨ - ٢٢٩؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٢٧٨: ٢ - ٢٧٩؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٢١: ٥ - ٢٢.
(٢) نفسه ٣٥؛ ابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق ٩٧ - ٩٨؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٢٧٩: ٢.