للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بألف دينار، فقال بعضهم لبعض: أعطوا هذا ربحه وتسلّموه أنتم، فقال قائل: أعطوه ربحه خمس مائة دينار؛ فقلت: لا، واللّه لا آخذ؛ فقالوا: قد رأى رؤيا فزيدوه؛ فقلت: لا، واللّه لا آخذ أقلّ من ألف دينار؛ قالوا: فلك ألف دينار، فحوّل اسمك من الدّيوان نعطك إذا بعنا ألف دينار؛ فقلت: لا واللّه لا أفعل حتى أخذ الألف دينار في وقتي هذا.

فمضوا إلى حوانيتهم وإلى منازلهم حتى جاءوني بألف دينار، فقلت: لا آخذها إلاّ بنقد الصّيرفي وميزانه؛ فمضيت معهم إلى صيرفي بالنّاحية حتّى وزنوا عنده الألف دينار، ونقدتها وأخذتها فشددتها في طرف ردائي، ومضيت معهم إلى الدّيوان، وحوّلت أسماءهم مكان اسمي، ووفّوا حقّ الديوان من عندهم.

ورجعت وقت الظّهر إلى أستاذي فقال لي: قبضت ألف دينار منهم؟ فقلت: نعم، ببركتك وتركت الدّنانير بين يديه، وقلت له: يا أستاذ خذ ثمن العمود (a) الخشب؛ فقال: لا واللّه لا آخذ منك شيئا، أنت عندي مقام ابني. وجاء في الوقت ابن العسّال، فدفع إليه أستاذي العمود (a) الخشب، فمضى. فهذا خبر رؤياي وتفسيرها.

فتأمّل - أعزّك اللّه - ما يشتمل عليه هذا الخبر (b) من عظم ما كانت عليه مصر، فأوّلا (b) سعة حال الدّيوان، وكيف فضل فيه خشب يساوي آلافا من الذّهب، ونحن اليوم في زمن إذا احتيج فيه إلى عمارة شيء من الأماكن السّلطانيّة بخشب أو غيره، أخذ من النّاس إمّا بغير ثمن أو بأبخس (c) القيم، مع ما يصيب مالكه من الخوف والخسارة للأعوان.

وكيف لمّا قوّم هذا الخشب، لم يكلّف المشتري دفع المال في الحال؛ وفي زمننا إذا طرحت البضاعة السّلطانية على الباعة يكلّفون حمل ثمنها بالسّرعة، حتّى إنّ فيهم من يبيعها بأقّلّ من نصف ما اشتراها به، ويكمل الثّمن إمّا من ماله أو يقترضه بربح.

وكيف لمّا علم أهل السّوق أنّ الخشب بيع بدون القيمة، لم يمضوا إلى الدّيوان، ويدفعون فيه زيادة: إمّا لقلّة شراء (d) النّاس إذ ذاك أو تركهم الأخلاق الرّذيلة من الحسد ونحوه، أو لعلمهم بعدل السّلطان وأنّه لا ينكث ما عقده. وفي زمننا لو ادّعى عدوّ على عدوّه أنّ البضاعة التي كان اشتراها من الدّيوان قيمتها أكثر ممّا أخذها به، لقبل قوله وغرّم زيادة على ما ادّعاه عدوّه من قلّة القيمة جملة أخرى؛ لا جرم أنّه تظاهر سفهاء النّاس بكلّ


(a) بولاق: العود.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) بولاق: بأخس.
(d) بولاق: شره.