سمعت كلامه وما يريده منك. وكنت بعقب علّة ضعيف البدن، فقلت: ما أقدر أمشي، فقالوا: اكتر حمارا تركبه.
ولم يكن معي ما أكتري به حمارا، فنزعت تكّة سراويلي من وسطي ودفعتها على درهمين لمن أكراني الحمار، ومضيت معهم فجاءوا بي إلى دار أبي زنبور، فلمّا دخلت قال لي: أنت ابن عقيل؟ فقلت: لا يا سيّدي، أنا غلام في حانوته؛ قال: أفليس تبصر قيمة الخشب؟ قلت:
بلى؛ قال: فاذهب مع هؤلاء فقوّم لنا هذا الخشب، فانظر بحيث لا يزيد ولا ينقص.
فمضيت معهم، فجاءوا بي إلى شطّ الحمراء (a) (١) إلى خشب كثير من أثل وسنط جاف، وغير ذلك ممّا يصلح لبناء المراكب، فقوّمته تقويم جزع حتى بلغت قيمته ألفي دينار؛ فقالوا لي: انظر هذا الموضع الآخر فيه من الخشب أيضا؛ فنظرت فإذا هو أكثر ممّا قوّمت بنحو مرّتين، فأعجلوني ولم أضبط قيمة الخشب.
فردّوني إلى أبي زنبور، فقال لي: قوّمت الخشب كما أمرتك؟ ففزعت، فقلت: نعم؛ فقال: هات كم قوّمته؟ فقلت: ألفا دينار؛ فقال: انظر لا تغلط؛ فقلت: هو قيمته عندي؛ فقال لي: فخذه أنت بألفي دينار؛ فقلت: أنا فقير لا أملك دينارا واحدا، فكيف لي بقيمته؟ قال: ألست تحسن تدبيره وتبيعه؟ فقلت: بلى. قال: فدبّره وبعه، ونحن نصبر عليك بالثّمن إلى أن تبيع شيئا شيئا وتؤدّي ثمنه؛ فقلت: أفعل.
فأمر بكتاب يكتب عليّ في الدّيوان بالمال، فكتب عليّ، ورجعت إلى الشّطّ أعرف عدد الخشب، وأوصي به الحرّاس.
فوافيت جماعة أهل سوقنا وشيوخهم قد أتوا إلى موضع الخشب، فقالوا لي: إيش صنعت، قوّمت الخشب؟ قلت: نعم؛ قالوا: بكم قوّمته؟ فقلت: بألفي دينار؛ فقالوا لي: وأنت تحسن تقوّم لا يساوي هذا هذه القيمة. فقلت لهم: قد كتب عليّ كتّاب في الدّيوان وهو عندي يساوي أضعاف هذا؛ فقالوا لي: اسكت لا يسمعك أحد؛ وكانوا قد قوّموه قبلي لأبي زنبور
(a) بولاق: البحر. (١) حاشية بخط المؤلّف: «شط الحمراء هو اليوم ما في جنب الخليج حيث الموضع الذي يعرف بالمريس». والمريس موضع غرب الخليج بجوار منشأة المهراني كان موضعه بستان الخشّاب (فيما يلي ١٥٧، ١٦٤ و ٥٣٧ هـ ٣).