للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومات، فأسلمتني أميّ إلى ابن عقيل - وكان صديقا لأبي - فكنت أخدمه، وأفتح حانوته وأكنسها، ثم أفرش له ما يجلس عليه، فكان يجري عليّ رزقا أتقوّت به؛ فأنا (a) يوما في الحانوت وقد جلس أستاذي ابن عقيل، فجاء ابن العسّال (١) مع رجل من أهل الرّيف يطلب عود خشب لطاحونه، فاشترى من ابن عقيل عود طاحونة بخمسة دنانير. فسمعت قوما من أهل السّوق يقولون: هذا ابن العسّال المفسّر للرّؤيا عند ابن عقيل، فجاء منهم قوم وقصّوا عليه منامات رأوها، ففسّرها لهم؛ فذكرت رؤيا رأيتها في ليلتي، فقلت له: إنّي رأيت البارحة في نومي كذا وكذا، فقصصت عليه الرّؤيا؛ فقال لي: أيّ وقت رأيتها من اللّيل؟ فقلت: انتبهت بعد رؤياي في وقت كذا؛ فقال لي: هذه رؤيا لست أفسّرها إلاّ بدنانير كثيرة. فألححت عليه، فقال أستاذي ابن عقيل: فرّج عنه، هذا غلام صغير فقير لا يملك شيئا؛ فقال: لست آخذ إلاّ عشرين دينارا؛ فقال له ابن عقيل: إن قرّبت علينا وزنت أنا لك ذلك من عندي. فلم يزل به ينزله حتى قال: لست (b) واللّه آخذ أقلّ من ثمن العمود (c) الخشب: خمسة دنانير؛ فقال له ابن عقيل: إن صحّت الرّؤيا دفعت إليك العمود (c) بلا ثمن؛ فقال له: يأخذ مثل هذا اليوم ألف دينار؛ قال أستاذي: فإذا لم يصح هذا؟ فقال: يكون العمود (c) عندك إلى مثل هذا اليوم، فإن (d) أخذ ما قلت له في ذلك اليوم وإلاّ (e) فليس لي عندك شيء، ولا أفسّر رؤيا أبدا؛ فقال له أستاذي: قد أنصفت.

ومضت الجمعة، فلمّا كان مثل ذلك اليوم غدوت كما (f) كنت أغدو إلى دكّان أستاذي، ففتحتها ورششتها، واستلقيت على ظهري أفكّر فيما قال لي، ومن أين يمكن أن يصير إليّ ألف دينار، فقلت: لعلّ سقف المكان ينفرج فيسقط منه هذا المال، وجعلت أجيل فكري؛ فإنّي كذلك إلى ضحى، إذ وقف عليّ جماعة من أعوان الخراج معهم فارس (g)، فقالوا: هذه دكّان ابن عقيل، ثم قالوا لي: قم؛ فقلت لهم: لست/ ابن عقيل، أنا غلامه؛ فقالوا لي (e):

بل أنت ابنه، وجذبوني فأخرجوني من الدّكّان؛ فقلت: إلى أين؟ فقالوا: إلى ديوان الأستاذ أبي علي الحسين ابن أحمد (يعنون أبا زنبور)؛ فقلت: وما يصنع بي؟ فقالوا: إذا جئت


(a) بولاق: فأتى.
(b) ساقطة من بولاق والعبارة فيه: واللّه لا آخذ.
(c) بولاق: العود.
(d) بولاق: فإن كان لم يصح.
(e) ساقطة من بولاق.
(f) بولاق: مثل ما.
(g) بولاق: ناس.
(١) حاشية بخط المؤلّف: «الحسن بن محمد بن أحمد بن العسّال كتب الحديث بعد سنة سبعين ومائتين، كان في تفسير الرؤيا عجبا لم ير مثله».