وقال مرّة وهو في عطلته: أخذ منّي محمد بن طغج الإخشيد عينا وعرضا ما (a) يبلغ نيفا (b) وثمانين ويبة دنانير؛ فاستعظم من حضر ذلك، فقال ابنه: الذي أخذ أكثر، وأنا أوقفه عليه؛ ثم قال لأبيه: يا مولاي، أليس نكبت ثلاث مرّات؟ قال: بلى؛ قال: أليس أخذت ضياعك بالشّام؟ قال: نعم؛ قال: فكم ثمنها؟ قال: ألف ألف دينار؛ قال: وضياعك بمصر؛ قال:
قريب منها؛ قال: وعرض وعين؟ قال: كذلك. فأمر بعض الحسّاب بضبط ذلك، فجاء ما ينيف عن ثلاثين أردبّا من ذهب (١).
فانظر ما تضمّنته أخبار الماذرائي، وقس عليها بقيّة أحوال مصر، فما كان سوى كاتب الخراج وهذه أمواله كما قد رأيت.
وقال الشّريف الجوّاني: إنّ أبا عبد اللّه محمد بن ميسّر (c) قاضي مصر سمع بأنّ الماذرائي عمل في أيّامه الكعك المحشو بالسّكّر، والقرص الصّغار المسمّى «افطن له»، فأمرهم بعمل الفستق الملبّس بالسّكّر الأبيض الفانيد المطيّب بالمسك، وعمل منه في أوّل الحال أشياء عوض لبّه لبّ ذهب في صحن واحد، فمضى عليه جملة، وخطف قدّامه، تخاطفه الحاضرون، ولم يعد لعمله بل الفستق الملبّس. وكان قد سمع في سيرة الماذرائيين أنّه عمل له هذا «الافطن له» وفي كلّ واحدة خمسة دنانير، ووقف أستاذ على السّماط فقال لأحد الجلساء:«افطن له»؛ وكان عمل على السّماط عدّة صحون من ذلك الجنس، لكن (d) ما كان فيها إلاّ (d) صحن واحد، فلمّا رمز الأستاذ لذلك الرّجل بقوله «افطن له» وأشار إلى الصّحن، تناول ذلك الرجل منه، فأصاب الذّهب واعتمد عليه فحصل له جملة، ورآه الناس وهو إذا أكل يخرج من فمه ويجمع بيده ويحطّ في حجره، فتنبّهوا له وتزاحموا عليه، فقيل لذلك من يومئذ «افطن له»(٢).
وقال أبو سعيد عبد الرّحمن بن أحمد بن يونس في «تاريخ مصر»: حدّثني بعض أصحابنا بتفسير رؤيا رآها غلام ابن عقيل الخشّاب عجيبة، فكانت حقّا كما فسّرت، فسألت غلام ابن عقيل عنها؛ فقال لي: أنا أخبرك، كان أبي في سوق الخشّابين، فأنفق بضاعته ورثت حاله
(a) ما ساقطة من بولاق. (b) بولاق: ألفا. (c) بولاق: مفسر. (d) (d-d) ساقطة من بولاق. (١) المقريزي: المقفى الكبير ٢٤٤: ٦. (٢) ابن ميسر: أخبار مصر ١٢٧؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٦٣: ٣، المقفى الكبير ٤٠٠: ٧ - ٤٠١؛ ابن حجر: رفع الإصر ٤٢٧ - ٤٢٨ (ومصدره أيضا الشريف الجواني)؛ السيوطي: حسن المحاضرة ١٥٢: ٢؛ وانظر فيما يلي ٤٥٣: ٢.