رذيلة وذميمة من الأخلاق، فإنّ الملك سوف (a) يجبى إليه ما أنفق (b) به.
وكيف لمّا علم ابن عقيل أنّ غلامه استفاد على اسمه ألف دينار، لم يشره إلى أخذها، بل دفع عنه الخمسة الدنانير (c). وما ذلك إلاّ من انتشار الخير في النّاس، وكثرة أموالهم، وسعة حال كلّ أحد بحسبه، وطيب نفوس الكافّة، ولعمري لو سمع في زمننا أحد من الأمراء والوزراء - فضلا عن الباعة - أنّ غلاما من غلمانه أخذ على اسمه عشر هذا المبلغ، لقامت قيامته.
وكيف اتّسعت أحوال الخشّابين حتى وزنوا ألف دينار في ساعة، وأنّه ليعسر اليوم على الخشّابين أن يزنوا في يوم مائة دينار. وهذا كلّه من وفور غنى النّاس بمصر، وعظم أمرهم، وكثرة سعاداتهم.
(d) وكان/ الفسطاط نحو ثلث بغداد - ومقداره نحو (e) فرسخ - على غاية العمارة والخصب والطّيبة واللّذّة، وكانت مساكن أهلها خمس طبقات وستّا وسبعا، وربّما سكن في الدّار الواحدة المائتان من النّاس. وكان فيه دار عبد العزيز بن مروان يصبّ فيها لمن فيها في كلّ يوم أربع مائة راوية ماء، وكان فيها خمسة مساجد وحمّامان وعدّة أفران يخبز بها عجين أهلها (١).
وقد قال أبو داود في كتاب «السّنن»: شبّرت قثّاءة بمصر ثلاثة عشر شبرا، ورأيت أترجّة على بعير قطعتين: قطعت وصيّرت على مثل عدلين؛ ذكره في باب صدقة الزّرع من كتاب الزّكاة (٢).
قلت: وقد ذكر أنّ هذا كان في جنان بني سنان البصري خارج مدينة الفسطاط، وكانت بحيث لم ير أبدع منها. فلمّا قدم أمير المؤمنين عبد اللّه المأمون بن هارون الرّشيد مصر سنة سبع عشرة ومائتين، رأى جنان بني سنان هذه، فأعجب بها وسأل إبراهيم بن سنان: كم عليه من الخراج لجنانه؟ فذكر أنّه يحمل إلى الدّيوان في كلّ سنة عشرين ألف دينار؛ فقال المأمون: وكم تردّ عليك هذه الجنان؟ قال: لا أستطيع حصره، إلاّ أنّ ما زاد على مائة ألف دينار أتصدّق به ولو درهما. هذا وله ولد اسمه أحمد بن إبراهيم بن سنان يوصف بعلم وزهد (d).
(a) بولاق: سوق. (b) بولاق: نفق. (c) بولاق: خمسة الدنانير. (d) (d-d) غير موجودة في ظ. (e) ساقطة من بولاق. (١) مصدر هذا الخبر ابن حوقل: صورة الأرض ١٤٦؛ وقارن المقدسي: أحسن التقاسيم ١٩٨؛ الإدريسي: نزهة المشتاق ٣٢٣؛ ابن سعيد: المغرب ٣؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٣٦: ٣؛ وانظر كذلك ناصر خسرو: سفرنامه ١٠١؛ وعن وصف منازل الفسطاط انظر Fu'?d Sayyid، A.، op.cit.، pp. ٦٠٥ - ١٠، وفيما يلي ١٥١. (٢) انظر فيما تقدم ٧٥: ١.