للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجهد، فتفرّق عنه كثير من أصحابه، وبقي في نفر يسير وهو متشاغل باللّهو.

فأجمع عمّاه شيبان وعديّ ابنا أحمد بن طولون على قتله، فدخلا عليه وهو ثمل، فقتلاه ليلة الأحد لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة اثنتين وتسعين، وسنّه يومئذ اثنتان وعشرون سنة، فكانت ولايته ثمان سنين وثمانية أشهر وأياما (١).

ثم ولي شيبان بن أحمد بن طولون أبو المقانب (a) لعشر بقين من صفر، فرجع إلى الفسطاط. وبلغ طغج بن جفّ وغيره من القوّاد قتل هارون، فأنكروه وخالفوا على شيبان، وبعثوا إلى محمد بن سليمان فأمّنهم، وحرّكوه على المسير إلى مصر، فسار حتى نزل العبّاسة، فلقيه طغج في ناس من القوّاد كثير، فساروا به إلى الفسطاط، وأقبل إليهم عامّة أصحاب شيبان.

فخاف حينئذ شيبان، وطلب الأمان، فأمّنه محمد بن سليمان، وخرج إليه لليلة خلت من ربيع الأوّل سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وكانت ولايته اثني عشر يوما (٢).

ودخل محمّد بن سليمان يوم الخميس أوّل ربيع الأوّل، فألقى النّار في القطائع، ونهب أصحابه الفسطاط، وكسروا السّجون وأخرجوا من فيها، وهجموا الدّور، واستباحوا الحريم، وفتكوا في الرّعيّة (b)، وافتضّوا الأبكار، وساقوا النّساء، وفعلوا كلّ قبيح، من إخراج النّاس من دورهم وغير ذلك.

وأخرج ولد أحمد بن طولون وهم عشرون إنسانا، وأخرج قوّادهم فلم يبق بمصر منهم أحد يذكر، وخلت منهم الدّيار، وعفت منهم الآثار، وتعطّلت منهم المنازل، وحلّ بهم الذّلّ بعد العزّ، والتّطريد والتّشريد بعد اجتماع الشّمل ونضرة الملك ومساعدة الأيّام (٣).

ثم سيق أصحاب شيبان إلى محمد بن سليمان وهو راكب، فذبحوا بين (٤) يديه كما تذبح الشّياه، وقتل من السّودان - سكّان القطائع - خلقا كثيرا؛ فقال أحمد بن محمّد الجيشيّ (٥):


(a) بولاق: أبو المواقيت.
(b) آياصوفيا وبولاق: وهتكوا الرعية والمثبت من الظاهرية.
(١) الكندي: ولاة مصر ٢٦٨ - ٢٦٩؛ وانظر كذلك ابن سعيد: المغرب (قسم مصر) ١٤٤ - ١٤٥؛ أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ٩٨: ٣ - ١٣٤.
(٢) نفسه ٢٧٠؛ وانظر كذلك ابن سعيد: المغرب (قسم مصر) ١٤٥ - ١٤٦؛ أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ١٣٤ - ١٣٨ وفيه أن مدّة تغلّب شيبان على مصر تسعة أيام، منها أربعة أيام كان فيها أمره ونهيه.
(٣) الكندي: ولاة مصر ٢٧١، وقارن مع أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ١٣٨: ٣ - ١٣٩.
(٤) آخر ما نشره جاستون قييت من الخطط وهو يعادل نهاية ملزمة.
(٥) الأبيات عند الكندي: ولاة مصر ٢٧١ - ٢٧٢.