للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على باب السّباع مجلس يشرف منه ابن طولون ليلة العيد على القطائع، ليرى حركات الغلمان وتأهّبهم وتصرّفهم في حوائجهم، فإذا رأى في حال أحد منهم نقصا أو خللا، أمر له بما يتّسع به ويزيد في تجمّله؛ وكان يشرف منه أيضا/ على البحر، وعلى باب مدينة الفسطاط وما يلي ذلك؛ فكان متنزّها حسنا.

وبنى الجامع فعرف بالجامع الجديد، وبنى العين والسّقاية بالمعافر، وبنى تنّور فرعون فوق الجبل. واتّسعت أحواله، وكثرت إسطبلاته وكراعه، وعظم صيته، فخافه أماجور (a)، وكتب فيه إلى الحضرة يغري به، وكتب فيه ابن المدبّر وشقير الخادم.

وكانت لابن طولون أعين وأصحاب أخبار يطالعونه بسائر ما يحدث؛ فلمّا بلغه ذلك، تلطّف أصحاب الأخبار له ببغداد عند الوزير، حتى سيّر إلى ابن طولون بكتب ابن المدبّر وكتب شقير من غير أن يعلما بذلك، فإذا فيها «إنّ أحمد بن طولون عزم على التّغلّب على مصر والعصيان بها». فكتم خبر الكتب، وما زال بشقير حتى مات، وكتب إلى الحضرة يسأل صرف ابن المدبّر عن الخراج وتقليد هلال، فأجيب إلى ذلك، وقبض على ابن المدبّر وحبسه، وكانت له معه أمور آلت إلى خروج ابن المدبّر عن مصر.

وتقلّد ابن طولون خراج مصر مع المعونة والثّغور الشّامية، فأسقط «المعاون والمرافق» (١) - وكانت بمصر خاصّة في كلّ سنة مائة ألف دينار - فأظفره اللّه عقيب ذلك بكنز فيه ألف ألف دينار بنى منه المارستان (٢).

وخرج إلى الشّام وقد تقلّدها، فتسلّم دمشق وحمص، ونازل أنطاكية حتى أخذها.

وكانت صدقاته على أهل المسكنة والسّتر وعلى الضّعفاء والفقراء وأهل التّجمّل متواترة، وكان راتبه لذلك في كلّ شهر ألفي دينار سوى ما يطرأ عليه من النّذور وصدقات الشّكر على تجديد النّعم، وسوى مطابخه التي أقيمت في كلّ يوم للصّدقات في داره وغيرها، يذبح فيها البقر والكباش، ويغرف للناس في القدور الفخّار والقصاع، على كلّ قدر أو قصعة لكلّ مسكين أربعة أرغفة، في اثنين منها فالوذج، والاثنان الآخران على القدر. وكانت تعمل في داره وينادى: من


(a) بولاق: ماجور.
(١) عن «المعاون والمرافق» انظر فيما تقدم ٢٧٩: ١.
(٢) انظر خبر الكنز فيما يلي ٢٦٦: ٢ - ٢٦٧.