وقال ابن شهاب: كان فتح مصر بعضها بعهد وذمّة، وبعضها عنوة، فجعلها عمر بن الخطّاب ﵁ جميعها ذمّة، وحملهم على ذلك، فمضى ذلك فيهم إلى اليوم (١).
و (a) قال القضاعيّ: فلمّا رأى المقوقس أنّ العرب قد ظفروا بالحصن جلسوا في سفينة هو وأهل القوّة فلحقوا بالجزيرة، وسأل المقوقس في الصّلح فبعث إليه عمرو بعبادة بن الصّامت فصالحه المقوقس عن القبط والرّوم على أنّ للرّوم الخيار في الصّلح إلى أن يوافي كتاب ملكهم، فإن رضي تمّ ذلك وإن سخط انتقض الصّلح ما بينه وبين الرّوم، وأمّا القبط فبغير خيار. فمن قال إنّ مصر فتحت صلحا تعلّق بهذا الصّلح. وقال: إنّ الأمر لم يتمّ إلاّ بما جرى بين عبادة بن الصّامت وبين المقوقس وعلى ذلك أكثر علماء أهل مصر مهم: عقبة بن عامر ويزيد بن أبي حبيب واللّيث بن سعد وغيرهم.
وذهب الذين قالوا إنّها فتحت عنوة إلى أنّ الحصن فتح عنوة فكان حكم جميع الأرض كذلك.
وممّن قال إنّها فتحت عنوة: عبيد اللّه بن المغيرة النّسائي وعبد اللّه بن وهب ومالك بن أنس وغيرهم.
وذهب قوم إلى أنّ بعضها فتح عنوة وبعضها فتح صلحا منهم ابن شهاب وابن لهيعة. وكان منها يوم الجمعة مستهلّ المحرّم سنة عشرين، وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنّه قال: اشتبه على النّاس أمر مصر والصلح في أمرها: إن أبي قدمها فقاتله أهل أليون ففتحها قهرا ودخلها المسلمون. وكان الزّبير أوّل من علا حصنها فقال صاحبها لأبي: إنّه قد بلغني فعلكم بالشّام ووضعكم الجزية على النّصارى واليهود وإقراركم الأرض في الأيدي أهلها يعمرونها ويؤدّون خراجها وإن فعلتم بنا مثل ذلك كان أردّ عليكم من قبلنا وسبينا واحلاينا فاستشار أبي المسلمين فأشاروا عليه بأن يفعل ذلك إلاّ نفر منهم سألوا أن يقسم الأرض بينهم فوضع على كلّ رجل حالم دينارين جزية إلاّ أن يكون فقيرا وألزم كل ذي أرض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة وقسطيّ زيت وقسطيّ عسل وقسطيّ خلّ رزقا للمسلمين يجمع في دار الرّزق ويقسم فيهم وأحصى المسلمين فألزم جميع أهل مصر لكلّ رجل منهم جبّة صوف وبرنسا وعمامة وسراويل وخفّين في كلّ عام أو عدل الجبة الصوف سويا قبطيّا وكتب بذلك إلى عمر بن الخطّاب فأجاز ذلك، وصارت الأرض أرض خراج، إلاّ أنّه لمّا وقع هذا الشّرط والكتاب ظنّ بعض النّاس أنّها فتحت صلحا. وقال ابن عبد البرّ: إنّ عمر بن الخطّاب لم يقسم أرض السّواد ومصر والشّام وجعلها
(a) (a-a) هذه الفقرة حتى بداية الصفحة التالية من النّسخ المنقولة من خط المؤلّف، وساقطة من بولاق. (١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٩٠.