والمصدر الثّاني الذي اعتمد عليه المقريزي هو مؤلّفات أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي، المتوفى سنة ٣٥٠ هـ/ ٩٦١ م (١). قال المقريزي:«كان عارفا بأحوال النّاس وسير الملوك، قال أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الفرغاني: كان من أعلم النّاس بالبلد وأهله وأعماله وثغوره …
من جلّة أهل العلم بالحديث والنّسب». وصنّف الكثير في أخبار مصر مثل كتاب «أمراء مصر»، وكتاب «الموالي»، و «أخبار مسجد أهل الرّاية الأعظم»، وكتاب «الخندق» وكتاب «الجند الغربي» أو «الأجناد الغرباء»، وكتاب «الخطط» وكتاب «أخبار السّري بن الحكم»(٢). ولم يصل إلينا من مؤلّفات الكندي سوى كتاب «أمراء مصر» الذي نشر باسم «ولاة مصر» أو «كتاب الولاة»، وقطعة من كتاب آخر يعرف ب «كتاب القضاة».
واعتمد المقريزيّ في هذا المجلّد - من بين مؤلّفات الكندي - على كتاب «أمراء مصر» وكتاب «الموالي». فقد نقل المقريزي ما ذكره من أسماء ولاة مصر من عمرو بن العاص وحتّى قرب نهاية الدّولة الإخشيديّة من كتاب «أمراء مصر». وقد أثبت جاستون فييت Gaston Wiet أنّ المقريزي نقل في «الخطط» نصف كتاب «أمراء مصر» للكندي كلمة كلمة دون أن يذكر اسم الكندي في أغلب الأحيان. فمن بين ٤٨٦٦ سطرا - هي حجم «كتاب الولاة» في طبعة جست Guest - يوجد ٢١٤٥ سطرا لم ينقلها المقريزي، وإذا أسقطنا منها ١٦١ سطرا هي عناوين الفصول و ١٦٤ سطرا تحمل أسانيد الكندي و ٦٩٧ سطرا عبارة عن شواهد شعرية و ٢٢٩ سطرا تذكر أسماء موظّفين ثانويين كانوا ينوبون عن الولاة عند مغادرتهم مصر في حملات عسكرية، لا يبقى سوى ٨٩٤ سطرا ذات صبغة تاريخية أهملها المقريزيّ لأنّها حوادث غير ذات قيمة أو لتناولها أحداثا لا تتعلّق مباشرة بمصر (٣).
وما فعله فييت مع كتاب الكندي يمكننا القيام به مع سائر المصادر التي استقى منها المقريزيّ مادّته:«فتوح مصر» لابن عبد الحكم، و «خطط مصر» للقضاعي، و «سيرة المعزّ لدين اللّه» لابن زولاق، و «أخبار مصر» لابن المأمون، و «نزهة المقلتين» لابن الطّوير، و «الذّخائر والتّحف» مجهول المؤلّف … إلخ.
(١) راجع ترجمته عند، الصفدي: الوافي بالوفيات ٢٤٦: ٥؛ المقريزي: المقفى الكبير ٤٨٩: ٧ - ٤٩٠؛ محمد عبد اللّه عنان: مصر الإسلامية ٣٢ - ٣٤؛ Rosental، F.، El ٢ art.al-Kindi v، p. ١٢٤؛ ولحسن أحمد محمود كتاب: الكندي المؤرخ، القاهرة ١٩٧٧. (٢) المقريزي: المقفى الكبير ٤٩٠: ٧. (٣) Wiet، G.، «Kindi et Maqrizi»، BIFAO XII (١٩١٨)، pp. ٦١ - ٧٣.