قال: دخل المتوكّل، قبل تأخير النّوروز بعض بساتينه الخاصّة التي كانت في يديّ - وهو متوكّئ عليّ يحادثني، وينظر إلى ما أحدث في ذلك البستان - فمرّ بزرع فرآه أخضر، فقال: يا عليّ، إنّ الزّرع أخضر بعد ما أدرك! وقد استأمرني عبيد اللّه بن يحيى (١) في استفتاح الخراج، فكيف كانت الفرس تستفتح الخراج في النّوروز، والزّرع لم يدرك بعد؟ قال: فقلت له: ليس يجري الأمر اليوم على ما كان يجري عليه في أيّام الفرس، ولا النّوروز في هذه الأيّام في وقته الذي كان في أيّامها؛ قال: وكيف ذاك؟ فقلت: لأنّها كانت تكبس في كلّ مائة وعشرين سنة شهرا، وكان النّوروز إذا تقدّم شهرا، وصار في خمس من حزيران، كبست ذلك الشهر، فصار في خمس من أيار، وأسقطت شهرا وردّته إلى خمس من حزيران، فكان لا يتجاوز هذا.
فلمّا تقلّد العراق خالد بن عبد اللّه القسريّ، وحضر الوقت الذي تكبس فيه الفرس، منعها من ذلك وقال: هذا من النّسيء الذي نهى اللّه عنه فقال: ﴿إِنَّمَا اَلنَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي اَلْكُفْرِ﴾، وأنا لا أطلقه حتى أستأمر فيه أمير المؤمنين؛ فبذلوا على ذلك مالا جليلا، فامتنع عليهم/ من قبوله، وكتب إلى هشام ابن عبد الملك يعرّفه ذلك ويستأمره، ويعلمه أنّه من النّسيء الذي نهى اللّه عنه، فأمر بمنعهم من ذلك.
فلمّا امتنعوا من الكبس، تقدّم النّوروز تقدّما شديدا حتى صار يقع في نيسان والزّرع أخضر، فقال له المتوكّل: فاعمل لهذا يا عليّ عملا تردّ النّوروز فيه إلى وقته الذي كان يقع فيه في أيّام الفرس، وعرّف بذلك عبيد اللّه بن يحيى، وأدّ إليه رسالة منّي في أن يجعل استفتاح الخراج فيه؛ قال: فصرت إلى أبي الحسن عبيد اللّه بن يحيى، وعرّفته ما جرى بيني وبين المتوكّل، وأدّيت إليه رسالته؛ فقال لي: يا أبا الحسن، قد واللّه فرّجت عنّي وعن الناس، وعملت عملا كثيرا يعظم ثوابك عليه، وكسبت لأمير المؤمنين أجرا وشكرا، فأحسن اللّه جزاءك، فمثلك من يجالس الخلفاء.
وأحبّ أن يتقدّم بالعمل الذي أمر به المتوكّل، وينفذه إليّ حتى أجري الأمر عليه، وأتقدّم في كتب الكتب باستفتاح الخراج.
قال: فرجعت وحرّرت الحساب، فوجدت النّوروز لم يكن يتقدّم في أيّام الفرس أكثر من شهر يتقدّم من خمس تخلو من حزيران فيصير في خمسة أيام تخلو من أيام، فتكبس سنتها وتردّه إلى خمسة أيّام من حزيران.
(١) عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل العباسي المتوفى سنة ٢٦٣ هـ/ ٨٧٦ م (الجهشياري: الوزراء والكتاب ٢٥٤؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ٤١٦: ١٩ - ٤١٩).