وكانت بربا إخميم من أعجب البرابي وأعظمها، قد بنيت لخزن برّهم، فإنّهم قضوا على أهل مصر بالطّوفان قبل وقته بقرائن، لكنهم اختلفوا فيه، فقال بعضهم: تكون نار فتحرق جميع ما على وجه الأرض، وقال آخرون: بل يكون ماء، فعملوا هذه البراني قبل الطّوفان.
وكان في هذه البربا صور الملوك الذين يملكون مصر، وكانت مبنية بحجر المرمر، وطول كلّ حجر منها خمسة أذرع في سمك ذراعين، وهي سبعة دهاليز سقوفها حجارة، طول الحجر منها ثمانية عشر ذراعا في عرض خمسة أذرع، مدهونة بالاّزورد وغيره من الأصباغ التي يحسبها النّاظر كأنّما فرغ الدّهان منها الآن لجدّتها (١).
وكان كلّ دهليز منها على اسم كوكب من الكواكب السّبعة السّيّارة، وجدران هذه الدّهاليز منقوشة بصور مختلفة الهيئات والمقادير، فيها رموز علوم القبط، من الكيمياء والسّيمياء والطّلّسمات والطّبّ والنّجوم والهندسة وغير ذلك، أودعوها تلك الصّور.
وذكر ابن جبير في «رحلته» أنّ طول هذه البربا مائتان وعشرون ذراعا، وسعتها مائة وسبعون (a) ذراعا، وأنّها قائمة على أربعين سارية سوى الحيطان، دور كلّ سارية خمسون شبرا، وبين كلّ ساريتين ثلاثون شبرا، ورؤوسها في نهاية العظم كلّها منقّشة (b) من أسفلها إلى أعلاها، ومن رأس كل سارية إلى الأخرى لوح عظيم من الحجر المنحوت فيها ما ذرعه ستة وخمسون شبرا طولا، في عرض عشرة أشبار وارتفاع ثمانية أشبار؛ وسطحها (c) من ألواح الحجارة، كأنّها فرش واحد، فيه التّصاوير البديعة/ والأصبغة الغريبة، كهيئة الطّيور والآدميين، وغير ذلك في داخلها وخارجها؛ وعرض حائط البربا ثمانية عشر شبرا من حجارة مرصوصة (٢)، كذا قاسها ابن جبير في سنة ثمان وسبعين وخمس مائة.
ويقال إنّ ذا النّون عرف منها علم الكيمياء.
وما زالت هذه البربا قائمة إلى سنة ثمانين وسبع مائة، فخرّبها رجل من أهل إخميم، يعرف بالخطيب كمال الدين بن بكر الخطيب علم الدين عليّ، ونال منها مالا، فلم تطل
(a) رحلة ابن جبير: ستون. (b) رحلة ابن جبير: منقوشة. (c) رحلة ابن جبير: سقف هذا الهيكل. (١) قارن؛ النويري: نهاية الأرب ٣٩٤: ١؛ ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٢٣٩: ١ - ٢٤٠. (٢) ابن جبير: الرحلة ٣٦، ٣٧.