للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي يوم السبت لتسع خلون من جمادى الأولى ركب القائد الأجلّ عزّ الدولة وسناها معضاد الخادم الأسود (١) في سائر الأتراك ووجوه القوّاد، وشقّ البلد ونزل إلى الصّناعة التي بالجسر بمن معه. ثم خرج من هناك وعدّى في سائر عساكره إلى الجيزة، حتى رتّب لأمير المؤمنين عساكر تكون معه مقيمة هناك لحفظه؛ لأنّه عدّى يوم الاثنين لإحدى عشرة خلت منه في أربع عشاريات وأربع عشرة بغلة من بغال النّقل، وفي جميع من معه من خاصّته وحرمه إلى سجن يوسف وأقام هناك يومين وليلتين، إلى أن عاد الرمادية الخارجون إلى السّجن بالتّماثيل والمضاحك والحكايات والسّماجات (٢)، فضحك منهم واستظرفهم، وعاد إلى قصره بكرة يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت منه.

وأقام أهل الأسواق نحو الأسبوعين يطوفون (a) الشّوارع بالحكايات (b) والسّماجات والتّماثيل، ويطلعون إلى القاهرة بذلك ليشاهدهم أمير المؤمنين، ويعودون ومعهم سجلّ قد كتب لهم: ألاّ يعارض أحد منهم في ذهابه وعوده، وأن يعتمد إكرامهم وصيانتهم.

ولم يزالوا على ذلك إلى أن تكامل جميعهم، وكان دخولهم من سجن يوسف يوم السبت لأربع عشرة بقيت من جمادى الأولى، وشقّوا الشّوارع بالحكايات والسّماجات والتّماثيل، فتعطّل الناس في ذلك اليوم عن أشغالهم ومعايشهم. واجتمع في الأسواق خلق كثير لنظرهم، وظلّ الناس أكثر هذا اليوم على ذلك؛ وأطلق لجميعهم ثمانية آلاف درهم، وكانوا اثني عشر سوقا، ونزلوا مسرورين (٣).


(a) بولاق: يطرقون.
(b) بولاق: الخيال والتصويب من المسبحي.
(١) عن القائد معضاد انظر المسبحي: أخبار مصر ٢٤ - ٢٧، والكشاف ١٣١.
(٢) سماجة ج. سماجات. نوع من الأقنعة (Masques) تبعث على السخرية والضحك، كانت معروفة في مصر. ذكر أمية بن أبي الصّلت في وصفه لأهل مصر: «ومن ظريف ما سمعته أنه كان بمصر منذ عهد قريب رجل ملازم للمارستان يستدعى للمرضى كما تستدعى الأطباء، فيدخل على المريض فيحكي له حكايات مضحكة وخرافات مسلية ويخرج له وجوها مضحكة»؛ أي سماجات (الرسالة المصرية ٣٤)؛ وانظر؛ Dozy، R.، Supl.Dict.Ar.I، ٦٨٠ ومقال صمويل موريه Moreh، S.، «Masks in Medieval؛ Arabic Theatre»، Assaph C ٩ (١٩٩٣)، pp. ٨٩ - ٩٤ وفيما يلي ٢٦٨: ١، ٤٩٣.
(٣) المسبحي: أخبار مصر ٤٢ - ٤٣؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٤٦: ٢.