للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السّجن، وبينه وبين السّجن تلّ عظيم من الرّمل، فقال الشّيخ: من يحملني ويطلع بي إلى هذا السّجن حتى أحدّثه بحديث لا أحدّثه لأحد بعده حتى تفارق روحي الدّنيا؟ قال الشّرفيّ:

فأخذت الشّيخ وحملته حتى صرت في أعلاه، فنزل وقال: معك ورقة؟ قلت: لا. قال: أبصر لي بلاطة. فأخذ فحمة وكتب: حدّثني يحيى بن أيّوب، عن يحيى بن بكير، عن زيد بن أسلم ابن يسار، عن ابن عبّاس قال: إنّ جبريل أتى إلى يوسف في هذا السّجن، في هذا البيت المظلم، فقال له يوسف: من أنت الذي مذ دخلت السّجن ما رأيت أحسن وجها منك؟ فقال له: أنا جبريل. فبكى يوسف فقال: ما يبكيك يا نبيّ اللّه؟ فقال: إيش يعمل جبريل في مقام المذنبين؟ فقال: أما علمت أنّ اللّه تعالى يطهّر البقاع بالأنبياء، واللّه لقد طهّر اللّه بك السّجن وما حوله؛ فما أقام إلى آخر النّهار حتى أخرج من السّجن (١)!

قال القضاعيّ: سقط بين يحيى وزيد رجل.

وقال الفقيه أبو محمد أحمد بن محمد بن سلامة الطّحاوي، وذكر سجن يوسف: لو سافر الرّجل من العراق ليصلّي فيه وينظر إليه، لما عنّفته في سفره.

وقال الفقيه أبو إسحاق المروزي: لو سافر الرّجل من العراق لينظر إليه ما عنّفته.

وذكر المسبّحيّ في حوادث شهر ربيع الآخر (a) سنة خمس عشرة وأربع مائة: أنّ العامّة والسّوقة طافت الأسواق بمصر بالطّبول والبوقات، يجمعون من التّجّار وأرباب الأسواق ما ينفقونه في مضيّهم إلى سجن يوسف، فقال لهم التّجّار: شغلنا بعدم الأقوات يمنعنا من هذا.

وكان قد اشتدّ الغلاء. وأنهوا حالهم إلى الحضرة المطهّرة - يعني أمير المؤمنين الظّاهر لإعزاز دين اللّه أبا الحسن عليّ بن الحاكم بأمر اللّه - فرسم لسامي (b) الدولة أبي طاهر بن كافي - متولّي الشّرطة السّفلى - التّرسيم على التّجّار حتى يدفعوا إليهم ما جرت به رسومهم، ورسم لهم بالخروج إلى سجن يوسف، ووعدوا أن يطلق لهم من الحضرة ضعف ما أطلق لهم في السنة الماضية من الهبة، فخرجوا (٢).


(a) بولاق: الأول والتصويب من المسبحي.
(b) بولاق: لنائب والتصويب من المسبحي.
(١) ابن دقماق: الانتصار ١٢٨: ٤ - ١٢٩.
(٢) المسبحي: أخبار مصر ٣٩ - ٤٠؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٤٤: ٢ - ١٤٥.