للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونظر المعتصم إلى ما كان يدفعه المسلمون فوجده أكثر من البقط، وأنكر عطيّة الخمر، وأجرى الحبوب والثّياب التي تقدّم ذكرها، وقرّر دفع البقط بعد انقضاء كلّ ثلاث سنين، وكتب لهم كتابا بذلك بقي في يد النّوبة.

وادّعى النّوبيّ على قوم من أهل أسوان أنّهم اشتروا أملاكا من عبيده، فأمر المعتصم بالنّظر في ذلك، فأحضر والي البلد والمختار للحكم فيه التابعين من النّوبة وسألاهم عمّا ادّعاه صاحبهم من بيعهم، فأنكروا ذلك وقالوا: نحن رعيّة، فزال ما ادّعاه.

وطلب أشياء غير ذلك من إزالة المسلحة المعروفة بالقصر عن موضعها إلى الحدّ الذي بينهم وبين المسلمين؛ لأنّ المسلحة على أرضهم، فلم يجبه إلى ذلك. ولم يزل الرّسم جاريا بدفع البقط على هذا التّقرير، ويدفع إليهم ما أجراه المعتصم، إلى أن قدمت الدولة الفاطمية إلى مصر (١)، ذكر ذلك مؤرّخ النّوبة.

وقال أبو الحسن المسعودي: والبقط هو ما يقبض من السّبي في كلّ سنة ويحمل إلى مصر ضريبة عليهم، وهو ثلاث مائة رأس وخمسة وستون رأسا لبيت المال (٢)، بشرط الهدنة بين النّوبة والمسلمين؛ وللأمير بمصر غير ما ذكرنا أربعون رأسا، ولخليفته المقيم بأسوان - وهو المتولّي لقبض البقط - عشرون رأسا، وللحاكم المقيم بأسوان الذي يحضر مع أمير أسوان قبض البقط خمسة أرؤس، ولاثني عشر شاهدا عدول من أهل أسوان يحضرون مع الحاكم لقبض البقط اثنا عشر رأسا من السّبي على حسب ما جرى به الرّسم في صدر الإسلام في بدء إيقاع الهدنة بين المسلمين والنّوبة (٣).

وقال البلاذري في كتاب «الفتوحات»: إنّ المقرّر على النّوبة أربع مائة رأس يأخذون بها طعاما - أي غلّة - وألزمهم أمير المؤمنين المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور ثلاث مائة وستين رأسا وزرافة (٤).

/ وفي سنة أربع وسبعين وستّ مائة كثر خبث داود متملّك النّوبة، وأقبل إلى أن قرب من مدينة أسوان، وحرق عدّة سواق بعدما أفسد بعيذاب فمضى إليه والي قوص فلم يدركه، وقبض


(١) عن العلاقة بين النوبة والدولة الإسلامية انظر مقال فورون Forand، P.، «Early Muslim Relations with، Nubia»، Der Islam ٤٨ (١٩٧٢)، pp. ١١١ - ٢١ ومع الدولة الفاطمية انظر مقال: بشير إبراهيم بشير Beshir، B.I.، «New Lights on Nubian Fatimid.Relations»، Arabica XXII (١٩٧٥)، pp. ١٥ - ٢٤
(٢) أضاف المسعودي: «وأراه رسم على عدد أيام السنة» (مروج ١٣٠: ٢).
(٣) المسعودي: مروج الذهب ١٣٠: ٢.
(٤) البلاذري: فتوح البلدان ٢٨١.