وكانت كثيرة الحنطة وغيرها من الحبوب والفواكه والخضراوات والبقول. وكانت كثيرة الحيوان من الإبل والبقر والغنم، ولحمانها هناك غاية في الطّيب والسّمن. وكانت أسعارها أبدا رخيصة، وبها تجارات وبضائع تحمل منها إلى بلاد النّوبة.
ولا يتّصل بأسوان من شرقها بلد إسلاميّ، وفي جنوبها جبل به معدن الزّمرّد، وهو في برّيّة منقطعة عن العمارة، وعلى خمسة عشر يوما من أسوان معدن الذّهب.
ويتّصل بأسوان من غربيها الواحات، ويسلك من أسوان إلى عيذاب، ويتوصّل من عيذاب إلى الحجاز وإلى اليمن والهند.
(a)) قال المسعوديّ: ومدينة أسوان يسكنها خلق من العرب من قحطان/ ونزار بن ربيعة ومضر وخلق كثير من قريش، وأكثرهم من الحجاز. والبلد كثير النّخل خصيب كثير الخير تودع النّواة في الأرض، فتنبت نخلة، ويؤكل من ثمرها بعد سنتين.
ولمن بأسوان [من المسلمين] (b) ضياع كثيرة داخلة بأرض النّوبة، يؤدّون خراجها إلى ملك النّوبة، وابتيعت هذه الضّياع من النّوبة في صدر الإسلام في دولة بني أميّة وبني العبّاس.
وقد كان ملك النّوبة استعدى المأمون - حين دخل مصر - على هؤلاء القوم، بوفد وفدهم إلى الفسطاط ذكروا عنه أنّ أناسا من أهل مملكته وعبيده باعوا ضياعا من ضياعهم ممّن جاورهم من أهل أسوان، وأنها ضياعه والقوم عبيد لا أملاك لهم، وإنّما تملّكهم على هذه الضّياع تملّك العبيد العامرين فيها؛ فجعل المأمون أمرهم إلى الحاكم بمدينة أسوان، ومن بها من أهل العلم والشّيوخ.
وعلم من ابتاع هذه الضّياع من أهل أسوان أنّها ستنزع من أيديهم، فاحتالوا على ملك النّوبة بأن يقدّموا إلى من ابتيع منهم من النّوبة أنهم إذا حضروا حضرة الحاكم ألاّ يقرّوا لملكهم بالعبودية، وأن يقولوا: سبيلنا معاشر النّوبة سبيلكم مع ملككم، يجب علينا طاعته وترك مخالفته، فإن كنتم أنتم عبيدا لملككم وأموالكم له، فنحن كذلك.
فلمّا جمع الحاكم بينهم وبين صاحب الملك، أتوا بهذا الكلام للحاكم ونحوه مما أوقفوهم عليه من هذا المعنى، فمضى البيع - لعدم إقرارهم بالرّق لملكهم - إلى هذا الوقت، وتوارث الناس تلك الضّياع بأرض النّوبة من بلاد مريس.