قال: وقد رأيت على بعض السّقّالات المنحوتة السّاج التي تأتي فيه وقت الزّيادة علامة غريبة، ويجتمع هذان النّهران الأبيض والأخضر عند مدينة متملّك بلد علوة، ويبقيان على ألوانهما قريبا من مرحلة، ثم يختلطان بعد ذلك وبينهما أمواج كبار عظيمة بتلاطمهما.
قال: وأخبرني من نقل النّيل الأبيض وصبّه في النّيل الأخضر، فبقى فيه مثل اللّبن ساعة قبل أن يختلطا. وبين هذين النّهرين جزيرة لا يعرف لها غاية، وكذلك لا يعرف لهذين النّهرين نهاية. فأوّلهما يعرف عرضه، ثم يتّسع فيصير مسافة شهر، ثم لا تدرك سعتهما لخوف من يسكنهما بعضهم من بعض لأنّ فيهما أجناسا كثيرة وخلقا عظيما.
قال: وبلغني أنّ بعض متملّكي بلد علوة سار فيها يريد أقصاها فلم يأت عليه بعد سنين. وأنّ في طرفها القبلي جنسا يسكنون ودوابّهم في بيوت تحت الأرض مثل السّراديب بالنّهار من شدّة حرّ الشّمس، ويسرحون في اللّيل، وفيهم قوم عراة.
والأنهار الأربعة الباقية تأتي أيضا من القبلة، ممّا يلي الشّرق أيضا، في وقت واحد، ولا يعرف لها نهاية أيضا وهي دون النّهرين الأبيض والأخضر في العرض وكثرة الخلجان والجزائر.
وجميع الأنهار الأربعة تنصبّ في الأخضر، وكذلك الأوّل الذي قدّمت ذكره، ثم يجتمع مع الأبيض، وكلّها مسكونة عامرة مسلوك فيها بالسّفن وغيرها؛ وأحد هذه الأربعة يأتي مدّه من بلاد الحبشة.
قال: ولقد أكثرت السّؤال عنها، واستكشفتها من قوم عن قوم، فما وجدت مخبرا يقول إنّه وقف على نهاية جميع هذه الأنهار. والذي انتهى إليه علم من عرّفني عن آخرين إلى خراب، وأنّه يأتي في وقت الزّيادة في هذه الأنهار آلة مراكب وأبواب وغير ذلك، فيدلّ على عمارة بعد الخراب.
فأمّا الزّيادة، فيجمعون أنّها من الأمطار مع مادة تأتي من ذاتها، والدّليل على ذلك النّهر الذي يجفّ ويسكن بطنه، ثم ينبع وقت الزّيادة. ومن عجائبه أنّلا زيادته في أنهار مجتمعة، وسائر النّواحي والبلدان في مصر وما يليها والصّعيد وأسوان وبلد النّوبة وعلوة وما وراء ذلك في زمان واحد.
وأكثر ما وقف عليه من هذه الزيادة أنّه ربّما وجدت مثلا بأسوان ولا توجد بقوص ثم تأتي بعد؛ فإذا كثرت الأمطار عندهم، واتّصلت السّيول، علم أنّها سنة ريّ، وإذا قصرت الأمطار علم أنّها سنة ظما.