التّوصّل إليّ فلم يطق ذلك، فمرّ إلى الحائط، وصعد فيه وأنا أشاهده، حتّى وصل إلى السّقف،/ ومرّ فيه إلى أن صار فوقي، وألقى نفسه صوبي، وسعى نحوي حتى قرب منّي، فضربته فقتلته، ثم قتلت السّاحرة أيضا (١).
وأرض الصّعيد كثيرة المواشي، من الضّأن وغير ذلك لكثرة نتاجه، حتى إنّ الرّأس الواحد من نعاج الضّأن يتولّد عنه في عشر سنين ألف وأربعة وعشرون رأسا وذلك بتقدير السّلامة، وأن تلد كلّها إناثا، وتلد مرّة واحدة كلّ سنة، ولا تلد في كلّ بطن غير رأس واحد، وإلاّ فإن ولدت في السنة مرّتين، وكان في كلّ بطن رأسان، تضاعف العدد. وتأمّل حساب ما قلناه تجده صحيحا.
وقد شوهد كثيرا أنّ من أغنام الصّعيد ما يلد في السنة ثلاث مرّات، ويلد في البطن الواحد ثلاثة رؤوس.
وكانت الكثرة والغلبة ببلاد الصّعيد لستّ قبائل وهم: بنو هلال، وبلي، وجهينة، وقريش، ولواتة، وبنو كلاب. وكان ينزل مع هؤلاء عدّة قبائل سواهم من الأنصار ومن مزينة وبني رزاح (a) وبني كلاب وثعلبة وجذام.
وبلغ من عمارة الصّعيد أنّ الرّجل، في الأيّام النّاصرية (b) محمد بن قلاوون وما بعدها، كان يمرّ من القاهرة إلى أسوان فلا يحتاج إلى نفقة، بل يجد بكلّ بلد وناحية عدّة دور للضّيافة إذا دخل دارا منها أحضر لدابّته علفها وجيء له بما يليق به من الأكل ونحوه، وآل أمره الآن إلى ألاّ يجد الرّجل أحدا فيما بين القاهرة وأسوان يضيّفه لضيق الحال.
ثم تلاشى أمر بلاد الصّعيد منذ سنة الشّراقي في الأيّام الأشرفية (c) شعبان بن حسين بن محمد ابن قلاوون سنة ستّ وسبعين وسبع مائة، وتزايد تلاشيه في الأيّام الظّاهرية (d) برقوق لجور الولاة؛ ولم يزل في إدبار إلى أن كانت سنة ستّ وثمان مائة وشرقت مصر بقصور مدّ النّيل، فدهي أهل الصّعيد من ذلك بما لا يوصف، حتى إنّه مات من مدينة قوص سبعة عشر ألف إنسان، ومات من مدينة سيوط أحد عشر ألف إنسان ممّن غسّل وكفّن، ومن مدينة هو خمسة عشر ألف إنسان وذلك كلّه سوى الطّرحى على الطّرقات، ومن لا يعرف من الغرباء
(a) بولاق: دراج. (b) بولاق: أيام الناصر. (c) بولاق: أيام الأشرف. (d) بولاق: أيام الظاهر. (١) نقلا عن ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار (ممالك مصر والشام) ٨٧.