وتسمية هذه الجهة من أرض مصر بهذا الاسم إنّما حدث في الإسلام، سمّاها العرب بذلك لأنّها جهة مرتفعة عمّا دونها من أرض مصر، ولذلك يقال فيها أعلى الأرض، ولأنّها أرض ليس فيها رمل ولا سباخ، بل كلّها أرض طيّبة مباركة. ويقال للصّعيد أيضا «الوجه القبليّ».
قال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه: ولمّا حضرت مصرايم الوفاة عهد إلى ابنه قبطيم، وكان قد قسم أرض مصر بين بنيه: فجعل لقبطيم من بلد قفط إلى أسوان [إلى النّوبة] (a)، ولأشمون من بلد أشمون إلى منف، ولأتريب الحوف كلّه [إلى الشجرتين إلى أيلة من الحجاز] (a)، ولصا من ناحية صا البحيرة إلى قرب برقة؛ وقال لأخيه فارق: لك من برقة إلى الغرب، فهو صاحب إفريقيّة، وولده الأفارق؛ وأمر كلّ واحد من بنيه أن يبني لنفسه مدينة في موضعه (١).
وقال ابن عبد الحكم: فلمّا كثر ولد مصر وأولاد أولادهم، قطع مصر لكلّ واحد منهم قطعة يحوزها لنفسه ولولده، وقسم لهم هذا النّيل. فقطع لابنه قفط موضع قفط فسكنها، وبه سمّيت قفط قفطا، وما فوقها إلى أسوان، وما دونها إلى أشمون في الشّرق والغرب. وقطع لأشمون من أشمون، فما دونها في الشّرق والغرب، إلى منف، فسكن أشمون أشمون، فسمّيت به. وقطع لأتريب ما بين منف إلى صا، فسكن أتريب، فسمّيت به. وقطع لصا ما بين صا إلى البحر، فسكن صا فسمّيت به. فكانت مصر كلّها على أربعة أجزاء؛ جزءين بالصّعيد، وجزءين بأسفل الأرض (٢).
وقال أبو الفضل جعفر بن ثعلب بن جعفر الأدفوي (٣) في كتاب «الطّالع السّعيد في تاريخ الصّعيد»: مسافة إقليم الصّعيد الأعلى مسيرة اثني عشر يوما بسير الجمال [السير المعتاد] (b)، وعرضه ثلاث ساعات وأكثر [وأقلّ] (b) بحسب الأماكن العامرة. ويتصل عرضه في الكورة
(a) زيادة من النويري. (b) زيادة من الأدفوي. (١) النويري: نهاية الأرب ٤٥: ١٥؛ المسعودي: أخبار الزمان ١٥٤؛ وفيما تقدم ٤٩، ٣٧٠. (٢) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٩. (٣) كمال الدين أبو الفضل جعفر بن ثعلب بن جعفر الأدفوي الشافعي، ولد في أدفو بصعيد مصر سنة ٦٨٥ هـ/ ١٢٨٦ م ودرس في قوص، ثم قصد القاهرة حيث التقى بشيخه أثير الدين أبي حيّان، وتوفي في القاهرة بعد عودته من الحج سنة ٧٤٨ هـ/ ١٣٤٨ م. اشتهر بكتابه «الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد» الذي أتمه سنة ٧٣٨ هـ/ ١٣٣٧ م، وإن ظل ينظر فيه وينقحه إلى ما قبل وفاته، وهو الكتاب الذي ينقل عنه المقريزي هنا (الصفدي: الوافي بالوفيات ٩٩: ١١ - ١٠٠؛ المقريزي: السلوك ٧٩٣: ٢؛ أبو المحاسن: النجوم ٢٣٧: ١٠، ابن حجر: الدرر الكامنة ٧٢: ٢ - ٧٣).