للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه المدرسة (الجامع) أنشأها الأمير المذكور سنة ٨٢١ هـ/ ١٤١٨ م بجوار دار الذّهب بخطّ بين السّورين فيما بين باب الخوخة وباب سعادة ودفن بها بعد وفاته في نفس العام (١)، فيكون قد وقف الكتاب على مدرسته مع كتب أخرى في هذا التاريخ. ويبدو أنّ الكتاب استقرّ بجامع الفخري منذ هذا التاريخ وظلّ مجهولا من الجميع - فيما عدا إشارة حاجي خليفة - حتى ضمّ إلى دار الكتب المصرية سنة ١٨٩١ ونشره المستشرق فولرز Vollers بعد ذلك بعامين سنة ١٣١٠ هـ/ ١٨٩٣ م نشرة سقيمة تستحق أن يعاد نشرها نشرا علميا صحيحا.

وكتاب ابن دقماق ينقصه الوضوح ونقاط الاستدلال ويركّز على تخطيط المدينة عند تأسيسها؛ ورغم أنّ المعلومات الطّبوغرافية لدى المقريزي عن الفسطاط يشوبها بعض الاضطراب، فإنّه يقدّم لنا تفاصيل كثيرة أهملها ابن دقماق، وعلى الأخصّ عن حدود المدينة وصلتها بالقاهرة، كما كانت بحوزته مصادر أفضل من تلك التي اعتمد عليها ابن دقماق. ومع ذلك فإنّ مقارنة بسيطة للأقسام المشتركة بين الكتابين تثبت أنّ المقريزي ربّما قد اطّلع على الكتاب أو أنّه استخدم نفس مصادره، فنصوص الكتابين متطابقة في مواضع كثيرة أشرت إليها في أماكنها.

أمّا الأوحدي، شهاب الدّين أحمد بن عبد اللّه بن الحسن بن طوغان المقرئ الشّافعي المتوفي سنة ٨١١ هـ/ ١٤٠٨ م فكان أحد رجال الحلقه أديبا مقرئا معتنيا بالتاريخ لهجا به جمع كتابا في خطط القاهرة «تعب عليه ومات وهو مسوّدة» كما يقول ابن حجر (٢).

وقد وجّه شمس الدين السّخاوي - أحد أقطاب التفكير والنّقد في القرن التاسع - اتّهاما صريحا للمقريزي بأنّه سطا على مسوّدة جاره الأوحدي في الخطط فبيّضها وزاد عليها ونسبها لنفسه. ولم يترك السّخاوي مناسبة في مؤلّفاته ذكر فيها الأوحدي أو المقريزي إلاّ أثار فيها هذه القضيّة وكرّر فيها هذا الاتّهام (٣).


(١) المقريزي: الخطط ٣٢٨: ٢، أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٥٢: ١٤، ١٥٤، الدليل الشافي ٤٢٠، علي مبارك: الخطط التوفيقية ٧٦: ٣، ١٤٠: ٤ - ١٤١.
(٢) ابن حجر: إنباء الغمر ٤٠٦: ٢، ذيل الدرر ١٩٥.
(٣) المواضع التي اتهم فيها السّخاوي المقريزي بالسّطو على مسودة الأوحدي:
- قال في ترجمة الأوحدي: «واعتنى بالتاريخ وكان لهجا به وكتب مسوّدة كبيرة لخطط مصر والقاهرة تعب فيها وأفاد وأجاد وبيّض بعضها، فبيّضها التقي المقريزي ونسبها لنفسه مع زيادات». (الضوء اللمع ٣٥٨: ١).
- قال في ترجمة المقريزي: «وأقام ببلده عاكفا على الاشتغال بالتاريخ حتى اشتهر به ذكره وبعد فيه صيته -