ومن المحتمل أنّ ابن دقماق حاول، تحت تأثير نمط «الفضائل» القديم من جهة والجغرافيا الإقليمية الإدارية من جهة أخرى، أن يصف الأمصار العشرة الكبرى في العالم الإسلامي موليا اهتمامه الأكبر إلى مدن مصر ومبيّنا فضلها على بقية المدن، ولذلك سمّى كتابه «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»(١).
ويوحي الكتاب بصورة عامّة أنّ مؤلّفه لم يتمّه فكثيرا ما يقابلنا في مسوّدة المؤلّف بياض يمسّ الأرقام بشكل خاصّ، وربّما لم يقدّر للمؤلّف أن ينفّذ خطّته بالتمام لذا فلم يتمكّن إلاّ من تدوين جزأين من العشرة التي كان ينوي كتابتها.
وكان المقريزي وثيق الصّلة بابن دقماق يقول:«صحبته مدّة وجاورني عدّة سنين وتردّد إليّ كثيرا … وكان يستعير مجاميعي التي بخطّي»(٢)، فلا عجب أن عرف المقريزي مؤلّفاته جيّدا ولكنّه لا يذكر كتابه «الانتصار» على الإطلاق في الترجمة التي أفردها له، وبالتالي فإنّه لا ينقل عنه في الخطط وأغفل ذكره تماما. ويرى كراتشكوفسكي أنّه من الممكن أن يكون المقريزي قد أغفل ذكر كتاب ابن دقماق عمدا لأنّ المقريزي كان شافعيا متطرّفا على حين كان ابن دقماق من غلاة الحنفيّة (٣). والأمر الغريب أنّ كتاب «الانتصار» يعدّ كتابا مجهولا للعلماء الذين كتبوا ترجمة ابن دقماق فلم يذكره واحد منهم بين مؤلّفاته كما لم ينقل عنه أحد من المؤرّخين المتأخّرين، فيما عدا ذكر حاجي خليفة له ووصفه بأنّه «كبير في عشر مجلدات لخّص منه كتابا وسمّاه «الدّرّة المضيّة في فضل مصر والإسكندرية»(٤)! ومسوّدة المؤلّف المحفوظة الآن في دار الكتب المصرية تحت رقم ١٢٤٤ تاريخ كانت موجودة في جامع الفخري (المعروف الآن بجامع البنات الواقع في شارع بورسعيد بجوار محكمة مصر من جهة تقاطعه مع شارع الأزهر) وانتقلت إلى الدّار مع أوراق أخرى استقدمت من مساجد مختلفة سنة ١٨٩١ م. وقد جاء في نهاية الجزء الرابع «أنّ المقرّ الكريم العالي المولوي الفخري فخر الدين عبد الغني [بن الأمير الوزير الأستادّار تاج الدين عبد الرّازق] بن أبي الفرج … أوقف هذا الكتاب بمدرسته المعروفة بالفخريّة الكائنة بخطّ بين السّورين»(٥).
(١) كراتشكوفسكي: المرجع السابق ٤٧١. (٢) المقريزي: درر العقود الفريدة ١٦٣: ١، ١٦٤. (٣) كراتشكوفسكي: المرجع السابق ٤٨٢. (٤) حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ١٧٤: ١. (٥) ابن دقماق: الانتصار (مخ. دار الكتب رقم ١٢٤٤ تاريخ) ١٢٦: ٤.